أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
وقفت خلف النافذة تنظر من داخل حجرتها في البيت الكبير على قمة الجبل ، عاصفة شديدة ، ثلوج كثيفة ، رعد وبرق ترتعد منه الفرائص ، وإذا بالكهرباء تنقطع ، والظلام الدامس يدرك كل من في البيت ، بياض الثلج هو الشيء الوحيد الذي يرى في هذا الليل الصعب !! وإذا بصوت طفلة صغيرة يلين قسوة الليل الصعب تنادي مرتجفة خائفة : - ألن نهبط إلى أبي يا عمة ؟ فالتفتت العمة نحو الصوت وهي لا ترى شيئاً قائلة - بلى يا حبيبتي ، هيا ، هيا تقدمي نحوي بحرص ويطلقان يديهما في الهواء بحثاً عن بعضهما البعض ، وإذا بأطراف أصابع يد الطفلة الصغيرة تلامس أطراف أصابع يد العمة الشابة ، وبسرعة تلامس بكفيها وجهها ، تصيح الطفلة خوفاً ، فتجثوا العمة على ركبتيها وتضم الطفلة إلى صدرها بحنو بالغ ، ثم تهب واقفة وهي تطمئنها وتحملها على ذراعيها ، وتسير في ظلام دامس ، بخطىً حريصة ، تتلمس بكامل أحاسيسها الطريق !! وتتحسس براحة قدميها الاتجاه الذي به تسير ، حتى ظهر من بعيد ، ضوء شاحب مريض ، أسرعت نحو الضوء ، وهبطت الدرج بسرعة ، حتى إلتئمت مع أسرتها حول المصباح الصغير ، وارتمت الطفلة في أحضان أمها ونست عمتها !! كانوا من البرد يرتعدون ، وهي تلقي السلام بشفاه مرتجفة ، وتجلس على الأريكة ، وعينيها تبحثان عن شيء يدفئها من برد شديد ، ردوا عليها التحية ، وهم يرتعدون من البرد ، وكل يفكر كيف نتدفأ في هذا الليل الطويل ، والطريق المقطوع ، حتى ينبلج الصباح بنور الشمس الدافئة ، وإذا بشقيقها يصيح : - لماذا لا نحتطب من الحديقة ؟
فيرد الآخر : - الحديقة كلها أشجار مثمرة ! ويتدخل الشقيق الأصغر قائلاً - ويبدوا إنك نسيت أن هذا الشجر قد زرعه والدك بأسمائنا فتداعبه شقيقته الوحيدة قائلة : - ربما نويت أن تتخلى عن بخلك وتقطع شجرتك لتدفئنا بخشبها !! فيضحك الجميع وإذا بالشقيق الأكبر يقول بجدية : - ولماذا لا نقطع شجرتك أنت !!
فيسود صمت مطبق ، حتى تتحمس له زوجته قائلة : - ولما لا ، إنها شجرة يابسة !! وكأن الفكرة قد غزت رؤوس الجميع عدا الشقيقة صاحبة الشجرة ، فوقفت ومن خلفها ظل عظيم وهي تصيح معترضة : - هذه شجرتي ولن يقطعها أحد !!
فترد زوجة الشقيق الأوسط مدافعة : - ولكن الأطفال سيتجمدون من البرد ، ألا تنظرين ؟ ! فتنهرها صاحبة الشجرة بظلها العظيم : - إن لآبائهم أشجاراً يمكن أن يقطعوها ، ولكن ليس شجرتي !! فتعنفها زوجة الشقيق الأصغر قائلة : - لو كان لك أطفالاً لأدركت ما نقول !! وهنا هوت صاحبة الشجرة على الأريكة ومن خلفها ظلها العظيم ، ويسرع الأشقاء الثلاثة مع المصباح الصغير ، يحملون الفؤوس ليقطعون شجرة شقيقتهم اليابسة ، وهي تستدعي صوتها من أعماق جرح كبير ، وتغزو الدموع مقلتيها ، ليزيد عليها مشقة الكلام ، ولكنها بصوت مبحوح تصيح : - لقد يبست الشجرة لأن أحداً لا يسقيها ، ربما في هذا الربيع تجيد !! فينظرن لها زوجات أشقائها الثلاثة ، والسخرية بادية على وجوههن وتقول إحداهن : - لقد يبست الشجرة ، ألا تدركين ؟! وتستجمع صاحبة الشجرة قواها ، وتقف على قدميها ، وتطلق ساقيها للريح وهي تصيح : - لا تقطعوا شجرتي ، إنها يابسة ولكن الحياة لا تزال فيها ، إنها تخضر في الربيع ، وتفوح منها رائحة أحبها ، وتتقافز العصافير عليها مع مطلع كل يوم جديد . حتى وقفت أمام شجرتها ، ورأتهم يضربون ساقها العتيد ، والثلج يغطي كل شيء حتى كسى وجهها ، وهي بيديها تسقطه ، وتقول مستعطفة : - لا تقطعوا شجرتي ، إني أستظل بها من حرارة الصيف ، وأكتب تحتها قصائدي وقصصي ، وأحكي لها كل أسراري ، وهي تحكي لي !! وما أن بدأت الشجرة تتهاوى ، حتى أبتا ساقيها أن يحملنها ، ودارت الدنيا من حولها ، وهوت بجسدها على كومة من الثلج الكثيف مغشياً عليها ، فأسرع أشقائها لنجدتها ، وحملوها إلى البيت حتى تستريح . وبينما الأسرة حول النار تصطلي ، وأصبح البيت دافئاً ، أفاقت صاحبة الشجرة ، ونظرت بحسرة إلى حطب شجرتها ، فارتسمت على شفتيها ابتسامة شاحبة ، وهي تستدعي أنفاسها الذاهبة قائلة : - وداعاً يا شجرتي ، وداعاً كما ودعتني !! ثم أطبقت جفنيها .......... وذهبت !!!