أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
في أثناء رجوع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من غزوة ذات الرقاع، دار حوار بينه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبين جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ ، ظهر من خلاله حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه، واهتمامه بهم، ولطف حديثه معهم، وتفقّده لشؤونهم، ومواساته لهم بالمال والنصيحة.
قال جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ : (خرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة ذات الرقاع من نخل، على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعلت الرفاق تمضي، وجعلت أتخلف، حتى أدركني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: مالك يا جابر؟ قال: قلت يا رسول الله أبطأني جملي هذا، قال: أنخه، فأنخته، وأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال: أعطني هذه العصا من يدك ـ أو اقطع لي عصاً من شجرة ـ ، قال: ففعلت، قال: فأخذها رسول الله فنخسه بها نخسات، ثم قال: اركب، فركبت، فخرج ـ والذي بعثه بالحق - يواهق ناقته مواهقة (يسابقها لسرعته). قال: وتحدثت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: أتبيعني جملك هذا يا جابر؟ ، قال: قلت يا رسول الله بل أهبه لك، قال: لا، ولكن بعنيه، قال: قلت: فَسُمْنِيه يا رسول الله، قال: قد أخذته بدرهم. قال: قلت: لا، إذن تغبنني يا رسول الله، قال: فبدرهمين، قال: قلت: لا، قال: فلم يزل يرفع لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثمنه، حتى بلغ الأوقية، قال: فقلت: أفقد رضيت يا رسول الله؟ . قال: نعم، قلت: فهو لك، قال: قد أخذته، قال: ثم قال: يا جابر: هل تزوجت بعد؟ قال: قلت: نعم يا رسول الله، قال: أثيِّباً أم بكراً؟ ، قال: قلت: لا، بل ثيِّباً، قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟ ، قال: قلت يا رسول الله إن أبي أصيب يوم أحد، وترك بنات له سبعاً، فنكحت امرأة جامعة، تجمع رؤوسهنَّ، وتقوم عليهنَّ، قال: أصبت - إن شاء الله ـ ) رواه أحمد.
ويمضي جابر ـ رضي الله عنه ـ وهو يعطينا صورة عن الساعات التي أمضاها بعد وصوله المدينة، حيث ذهب ليأخذ الأوقية ثمرة صفقة بيعه جمله لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، كما في رواية البخاري قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ادع لي جابراً، قلت: الآن يرد عليَّ الجمل، ولم يكن شيء أبغض إليَّ منه، قال: خذ جملك ولك ثمنه)
فرجع جابر ـ رضي الله عنه ـ بأوقية الذهب، وبالجمل يقضي عليه حاجته على بغضه له.
لكن الجمل وقد مسته يد النبوة، قد غدا جملاً آخر في قوته ولين عريكته، وأثمر خيراً وبركة للبيت كله كما قال جابر ـ رضي الله عنه ـ . .
وقد ترجم الحافظ البيهقي في كتابه " دلائل النبوة " على هذا الحديث في هذه الغزوة ـ غزوة ذات الرقاع ـ فقال: " باب ما ظهر في غزاته هذه من بركاته وآياته في جمل جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ . .
وقال الحافظ ابن حجر في كتابه فتح الباري: " آل أمر جمل جابر هذا لما تقدم له من بركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى مآل حسن، فرأيت في ترجمة جابر من تاريخ ابن عساكر بسنده إلى أبي الزبير عن جابر قال: فأقام الجمل عندي زمان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأبي بكر وعمر فعجز، فأتيت به عمر فعرف قصته فقال: اجعله في إبل الصدقة وفي أطيب المراعي، ففعل به ذلك إلى أن مات. . ".
أما صاحب الجمل جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ فيقول: (لقد اسَتَغْفَرَ لي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةَ البعير خمسا وعشرين مرة) رواه الترمذي. . ليلة البعير: هي التي اشترى فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جابر بن عبد الله جمله. .
وعن أبي الزبير أنه سمع جابرا يقول: " غزوت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة غزوة - قال جابر - لم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبى، فلما قتل عبد الله يوم أحد لم أتخلف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة قط " رواه مسلم.
ولئن فاز جابر ـ رضي الله عنه ـ بالغزو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خمسا وعشرين غزوة، فإن الفوز الأكبر الذي تحقق له هو دعوة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ له خمسا وعشرين مرة.
لقد غرست رحلة جابر ـ رضي الله عنه ـ مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أبعاداً كبيرة في تفجر ينابيع الهدى والخير في نفسه، ليكون بعد ذلك السادس في ترتيب الصحابة في روايتهم لأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فهو بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمرو وأنس بن مالك وعائشة وعبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ .
وقد ذكر الإمام النووي أن جابراً ـ رضي الله عنه ـ : " روى ألف حديث وخمسمائة حديث وأربعين حديثًا، اتفق البخاري ومسلم منها على ستين حديثا، وانفرد البخاري بستة وعشرين، ومسلم بمائة وستة وعشرين. ".
وأصبح جابر ـ رضي الله عنه ـ برفقته لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ودعائه له، أحد القادة الأعلام للأمة فيما بعد، وخاصة في الجانب العلمي ينقل ويروي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديثه وسيرته للأمة.
وفي قصة جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ وجَمَلِه صورة جميلة ورفيعة لخُلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه من حيث لطف الحديث، والتواضع الرفيع، ورقة الحديث، وفكاهة المحاورة، والمحبة شديدة لأصحابه، والوقوف على أحوالهم، والمواساة في مشكلاتهم الاجتماعية ماديا ومعنويا.
تلك من نماذج الأخلاق النبوية، التي تحلى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتي حلاه بها ربه الذي بعثه ليتم به مكارم الأخلاق، وبهذا الأسلوب الرفيق الرقيق، يتعلم الدعاة والمربون حسن الصحبة وصدق الأخوة.