أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
ما هو معني البدعة، وكيف تعامل علماء الأمة مع البدعة، وما هو الفهم الصحيح لقضية البدعة؟ لمعرفة معني البدعة ومفهومها الصحيح، لابد أن نتعرف علي معناها في اللغة، وكذلك معناها في الاصطلاح الشرعي، ونبدأ بالمعني اللغوي.
البدعة في اللغة:هي الحَدَث وما ابْتُدِعَ من الدَّين بعد الإِكمال. ابن السكيت: البِدعةُ كلَّ مُحْدَثة. وأكثر ما يستعمل المُبْتَدعُ في الذمَّ. وقال أَبو عدنان: المبتَدِع الذي يأتي أَمْراً علي شبه لم يكن ابتدأه إِياه. وفلان بِدْعً في هذا الأمر أي أوَل لم يَسبِقه أحد. ويقال: ما هو مني ببدْعِ وبَديع... وأبْدَعَ وابتْدعَ وتَبَدَعَ: أتَي بِبدعْة، قال الله تعالي: {ورَهْبانيَةَ ابْتَدَعوها} ([1]) ... وبَدَّعه: نسَبه إلي البِدْعة. واسْتبدعَه: عده بَديعاً. والبَدِيعُ: والمُبْدِعُ. وأَبدعْتُ الشئ: اخْترَعْته لا علي مِثال([2]).
البدعة في الشرع: هناك مسلكان للعلماء في تعريف البدعة في الشرع: المسلك الأول: وهو مسلك العز بن عبد السلام؛ حيث اعتبر أن ما لم يفعله النبي صلي الله عليه وسلم بدعة وقسمها إلي أحكام حيث قال: "فعل ما لم يعهد في عصر رسول الله صلي الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلي: بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة، والطريق في معرفة ذلك أن تعرض البدعة علي قواعد الشريعة: فإن دخلت في قواعد الإيجاب فهي واجبة، وإن دخلت في قواعد التحريم فهي محرمة، وإن دخلت في قواعد المندوب فهي مندوبة، وإن دخلت في قواعد المكروه فهي مكروهة، وإن دخلت في قواعد المباح فهي مباحة" ([3]).
وأكد النووي علي هذا المعني؛ حيث قال: "وكل ما لم يكن في زمنه يسمي بدعة، لكن منها: ما يكون حسنا، ومنها: ما يكون بخلاف ذلك"([4]).
والمسلك الثاني: جعل مفهوم البدعة في الشرع أخص منه في اللغة، فجعل البدعة هي المذمومة فقط، ولم يسم البدع الواجبة، والمندوبة، والمباحة، والمكروه بدعاً كما فعل العز؛ وإنما اقتصر مفهوم البدعة عنده علي المحرمة، وممن ذهب إلي ذلك ابن رجب الحنبلي – رحمه الله – ويوضح هذا المعني فيقول: "والمراد بالبدعة: ما أحدث مما ليس له أصل في الشريعة يدل عليه، وأما ما كان له أصل في الشرع يدل عليه فليس ببدعة، وإن كان بدعة لغة"([5]).
وفي الحقيقة فإن المسلكين اتفقا علي حقيقة مفهوم البدعة، وإنما الاختلاف في المدخل للوصول إلي هذا المفهوم المتفق عليه وهو أن البدعة المذمومة التي يأثم فاعلها هي التي ليس لها أصل في الشريعة يدل عليها وهي المرادة من قوله صلي الله عليه وسلم: "كل بدعة ضلالة" ([6]).
وكان علي هذا الفهم الواضح الصريح أئمة الفقهاء وعلماء الأمة المتبوعون، فهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه فقد روي البيهقي عنه أنه قال: "المحدثات من الأمور ضربان، أحدهما: ما أحدث مما يخالف كتاباً، أو سنة، أو أثراً، أو إجماعاً فهذه بدعة الضلالة، والثاني: ما أحدث من الخير لا خلال فيه لواحد من هذا فهذه محدثة غير مذمومة"([7]).
وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رضي الله عنه: "ليس كل ما أبدع منهياً عنه، بل المنهي عنه بدعة تضاد سنة ثابتة، وترفع أمراً من الشرع"([8]).
وقد نقل الإمام النووي رحمه الله عن سلطان العلماء الإمام عز الدين بن عبد السلام ذلك؛ فقال: "قال الشيخ الإمام المجمع علي جلالته وتمكنه من أنواع العلوم وبراعته، أبو محمد عبد العزيز بن عبد السلام رحمه الله ورضي عنه في آخر كتاب القواعد: (البدعة منقسمة إلى واجبة ومحرمة ومندوبة ومباحة ... إلخ)([9])، وقال كذلك في مكان آخر، في حديثه عن المصافحة عقب الصلاة – وسوف نفرد لها فتوي رقم 66 - : "واعلم أن هذه المصافحة مستحبة عند كل لقاء، وأما ما اعتاده الناس من المصافحة بعد صلاتي الصبح والعصر، فلا أصل له في الشرع علي هذا الوجه، ولكن لا بأس به، فإن أصل المصافحة سنة، وكونهم حافظوا عليها في بعض الأحوال، وفرطوا فيها في كثير من الأحوال أو أكثرها لا يخرج ذلك البعض عن كونه من المصافحة التي ورد الشرع بأصلها" ([10]).
وقال بن الأثير: "البدعة بدعتان: بدعة هدي وبدعة ضلال، فما كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله صلي الله عليه وسلم؛ فهو في حيز الذم والإنكار، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب إليه وحض عليه؛ فهو في حيز المدح، وما لم يكن له مثال موجود كَنْوع من الجُود والسَخاء وفعل المعروف فهو من الأفعال المحمودة.
ولا يجوز أن يكون ذلك في خلاف ما ورد الشرع به؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم قد جعل له في ذلك ثواباً، فقال: (مَن سنَ سُنة حسَنة كان له أجرُها وأجرُ مَن عَمِلَ بها)، وقال في ضدّه: (مَن سَنَّ سُنة سيئة كان عليه وِزْرها ووِزْر مَن عَمِلَ بها)، وذلك إذا كان في خلاف ما أمر الله به ورسوله، ومن هذا النوع قول عمر رضي الله عنه: (نعمتِ البِدْعة هذه)، لمَا كانت من أفعال الخير وداخلة في حَيز المدح سَماها بدعة ومدَحَها؛ لأن النبي صلي الله عليه وسلم لم يَسنها لهم، وإنما صلاها ليالي ثم تركها ولم يحافظ عليها ولا جمع الناس لها، وكا كانت في زمن أبي بكر؛ وإنما عمر رضي الله عنه جمع الناسَ عليها وندَبهم إليها؛ فبهذا سماها بدعة، وهي علي الحقيقة سنة؛ لقوله: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي)، وقوله: (اقتدوا باللذين من بعدي: أبي بكر وعمر)، وعلي هذا التأويل يُحمل الحديث الآخَر: (كلُ مُحْدثةٍ بدعة)، إنما يريد ما خالف أُصول الشريعة، ولم يوافق السنة: ([11]).
كيف تعامل العلماء مع مفهوم البدعة: وتعامل جمهور الأمة من العلماء المتبوعين مع البدعة علي أنها أقسام كما ظهر ذلك في كلام الإمام الشافعي، ومن أتباعه العز بن عبد السلام، والنووي، وأبو شامة. ومن المالكية : القرافي، والزرقاني. ومن الحنفية : ابن عابدين. ومن الحنابلة : ابن الجوزي. ومن الظاهرية : ابن حزم. ويتمثل هذا الاتجاه في تعريف العز بن عبد السلام للبدعة وهو : أنها فعل ما لم يعهد في عهد رسول الله صلي الله عليه وسلم. وهي منقسمة إلي بدعة واجبة، وبدعة محرمة، وبدعة مندوبة، وبدعة مكروهة، وبدعة مباحة ([12]).
وضربوا لذلك أمثلة : فالبدعة الواجبة : كالاشتغال بعلم النحو الذي يفهم به كلام الله ورسوله، وذلك واجب؛ لأنه لا بد منه لحفظ الشريعة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. والبدعة المحرمة من أمثلتها : مذهب القدرية، والجبرية، والمرجئة، والخوارج. والبدعة المندوبة : مثل إحداث المدارس، وبناء القناطر، ومنها صلاة التراويح جماعة في المسجد بإمام واحد. والبدعة المكروهة : مثل زخرفة المساجد، وتزويق المصاحف. والبدعة المباحة: مثل المصافحة عقب الصلوات، ومنها التوسع في اللذيذ من المآكل والمشارب والملابس. واستدلوا لرأيهم في تقسيم البدعة إلي الأحكام الخمسة بأدلة منها :
(أ) قول عمر رضي الله عنه في صلاة التراويح جماعة في المسجد في رمضان : "نعمت البدعة هذه". فقد روي عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلي المسجد، فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط. فقال عمر : إني أري لو جمعت هؤلاء علي قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم، فجمعهم علي أبي بن كعب، ثم خرجت معه ليلة أخري، والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر : "نعم البدعة هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون" يريد آخر الليل. وكان الناس يقومون أوله. ([13])
(ب) تسمية ابن عمر صلاة الضحي جماعة في المسجد بدعة، وهي من الأمور الحسنة. روي عن مجاهد قال : دخلت أنا وعروة بن الزبير المسجد، فإذا عبد الله بن عمر جالس في حجر عائشة، وإذا ناس يصلون في المسجد صلاة الضحي، فسألناه عن صلاتهم، فقال : "بدعة"([14]).
(ج) الأحاديث التي تفيد انقسام البدعة إلي الحسنة والسيئة، ومنها ما روي مرفوعاً : "من سن سنة حسنة، فله أجرها وأجر من عمل بها إلي يوم القيامة، ومن سن سنة سيئة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلي يوم القيامة" ([15]).
ومما سبق يتضح أن هناك رؤيتين : رؤية إجمالية : وهي التي ذهب إليها ابن رجب الحنبلي رضي الله عنه وغيره، وهي أن الأفعال التي يثاب المرء عليها ويشرع له فعلها لا تسمي بدعة شرعاً، وإن صدق عليها الاسم في اللغة، وهو يقصد أنها لا تسمي بدعة مذمومة شرعاً. ورؤية تفصيلية وهي ما ذكر العز بن عبد السلام رضي الله عنه وأوردناه تفصيلاً.
ما ذُكر ينبغي للمسلم أن يحيط به في قضية باتت من أهم القضايا التي تؤثر في الفكر الإسلامي، وكيفية تناوله للمسائل الفقهية، وكذلك نظره لإخوانه من المسلمين، حيث يقع الجاهل في الحكم علي الآخرين بأنهم مبتدعون وفساق والعياذ بالله بسبب جهله بهذه المبادئ التي كانت واضحة، وأصبحت في هذه الأيام في غاية الغموض والاستغراب، نسأل الله السلامة، والله تعالي أعلي وأعلم.
--------------------------------------------------------------------------------------- ([1]) الحديد : 27 ([2]) لسان العرب، ج8، ص 6، مادة (بدع). ([3]) قواعد الأحكام في مصالح الآنام، للعز بن عبد السلام، ج2 ص 204. ([4]) فتح الباري، لابن حجر، ج2 ص 394 ([5]) جامع العلوم والحكم، لابن رجب ص 223. ([6]) أخرجه أحمد في مسنده، ج3 ص 310، ومسلم في صحيحه، ج2 ص 592. ([7]) رواه البيهقي بإسناده في كتاب "مناقب الشافعي"، ورواه أيضا أبو نعيم في الحلية، ج9 ص 113. ([8]) الإحياء، لأبي حامد الغزالي، ج2 ص 248. ([9]) تهذيب الأسماء واللغات، ج1 ص 22. ([10]) الأذكار، للنووي ص 382. ([11]) النهاية، لابن الأثير، ج1 ص 80. ([12]) قواعد الأحكام في مصالح الآنام، للعز بن عبد السلام، ج2 ص 205. ([13]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج2 ص 707. ([14]) أخرجه البخاري في صحيحه، ج2 ص 630، ومسلم في صحيحه، ج2 ص 917. ([15]) أخرجه ومسلم في صحيحه، ج2 ص 705