أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
كثير من الناس يطرُق باب الهداية، فمنهم من يُحرم منها بالكلية حتى يُختم له بالشقاء، ومنهم من يتحصل على جزء من الهداية ويُحرم الجزء الآخر، ومنهم من يهتدي لفترة ثم ينقلب بعد ذلك على عقبيه ويُسلب الهداية، فما الذي حرمنا الهداية ونحن نطلُبها؟ ولماذا تُسلب منا بعدما تذوقنا حلاوتها؟
القرآن أجاب لنا عن هذا السؤال؛ يقول الحق سبحانه : ﴿ واللهُ لا يهْدي الْقوْم الظالمين ﴾ [البقرة: 258]، ﴿واللهُ لا يهْدي الْقوْم الْفاسقين ﴾ [المائدة: 108]، ﴿ وأن الله لا يهْدي كيْد الْخائنين ﴾ [يوسف: 52].
أسباب حرمان الهداية :
السبب الأول : الظُلم :
الظلم ظلُمات في الدنيا والآخرة ، والإنسان يُحرم التوفيق إلى الهداية بسبب ظلمه لنفسه أو لغيره، ومن الظلم للنفس :
- الشرك ، وهو من أقبح الظُلم، والذي منه اتخاذ الند والنظير والشريك مع رب العالمين؛ يحبُ أحدا مثل الله، أو يطلُب شيئا لا يستطيع تلبيته له إلا ربُ العالمين، أو يُرائي بعمله أو يُسمع به؛ لذا الذين لم يُخالطوا إيمانهم بظلم (بشرك) تتحقق لهم الهداية والأمن؛ قال تعالى : ﴿ الذين آمنُوا ولمْ يلْبسُوا إيمانهُمْ بظُلْمٍ أُولئك لهُمُ الْأمْنُ وهُمْ مُهْتدُون ﴾ [الأنعام: 82].
- ومن ظلْم الإنسان لنفسه أيضا : التمادي في المعاصي، وتركُ الجوارح دون ضابط ودون توبة، فتتراكمُ عليه الذنوب فتسدُ باب الهداية عليه؛ لأن الذنوب تُحجم حركات الجوارح، وساعتها لا يستطيع أن يسلُك طريق الهداية، وقد أكد هذا المعنى حديثُ النبي - صلى الله عليه وسلم - حيث قال : ((مثل الذي يعمل السيئات، ثم يعمل الحسنات، كمثل رجل كانت عليه درْع ضيقة قد خنقتْه، ثم عمل حسنة فانفكت حلقة، ثم عمل حسنة أخرى، فانفكت أُخرى، حتى يخرج إلى الأرض))؛ (أخرجه أحمد، والطبراني في "الكبير"، والبغويُ، وهو حديث قوي)، فالذنوب كالدرع الذي يخنق العاصي ويشلُ حركته، فلا بد من توبة واستغفار، ودعاء ورجاء، وتذلُل وعمل صالح حتى يفك أسرك من هذه القيود، وترجع مرة أخرى إلى نعيم الطاعة والهداية.
- ومن ظلم الإنسان لغيره : الاستطالة في أعراض الناس؛ فلسانُه يجرح في أعراض الناس بحق أو بغير حق، وإنه لمن أربى الربا - أشدُ من ربا الأموال - أن يخوض المرء في عرض أخيه، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من أربى الربا الاستطالة في عرض المسلم بغير حق))؛ رواه أحمد والبزار، ورواة أحمد ثقات.
- ومن ظلم الإنسان لغيره : تضييع من يعول وقطْع الأرحام التي أمر الله بوصلها؛ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كفى بالمرء إثما أن يُضيع من يقوت))؛ (أخرجه أبو داود، وقال الشيخ الألباني: صحيح)، وفي رواية لأحمد عن وهب قال : إن مولى لعبدالله بن عمرو قال له : إني أريد أن أقيم هذا الشهر ههُنا ببيت المقدس، فقال له : تركت لأهلك ما يُقوتهم هذا الشهر؟ قال : لا، قال : فارجع إلى أهلك فاترك لهم ما يُقوتهم؛فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((كفى بالمرء إثما أن يُضيع من يقوت))، وليس الإيضاعُ إيضاع النفقة عليهم وتلبية حاجاتهم فقط، ولكن الإيضاع الأكبر ألا يقيهم عذاب النار التي وقودُها الناس والحجارة، وذلك بتعريفهم حقوق الله عليهم، والإعانة على تأديتها، وكذلك الصبر والمُصابرة في دعوتهم وإعانتهم على ذلك؛ قال تعالى : ﴿ يا أيُها الذين آمنُوا قُوا أنْفُسكُمْ وأهْليكُمْ نارا وقُودُها الناسُ والْحجارةُ عليْها ملائكة غلاظ شداد لا يعْصُون الله ما أمرهُمْ ويفْعلُون ما يُؤْمرُون ﴾ [التحريم: 6]، وقال تعالى : ﴿ وأْمُرْ أهْلك بالصلاة واصْطبرْ عليْها لا نسْألُك رزْقا نحْنُ نرْزُقُك والْعاقبةُ للتقْوى ﴾ [طه: 132].
وأما عن قطْع الرحم فيقول - صلى الله عليه وسلم -: ((وإن هذه الرحم شُجنة من الرحمن - عز وجل - فمن قطعها حرم الله عليه الجنة))؛ رواه أحمد والبزار، ورُواة أحمد ثقات.
- ومن ظُلم الإنسان لغيره : أكْل أمول الناس بالباطل، والتعدي على حُقوقهم؛ قال تعالى : ﴿ ولا تأْكُلُوا أمْوالكُمْ بيْنكُمْ بالْباطل وتُدْلُوا بها إلى الْحُكام لتأْكُلُوا فريقا منْ أمْوال الناس بالْإثْم وأنْتُمْ تعْلمُون ﴾ [البقرة: 188]، وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((من ظلم من الأرض شبرا طُوقه من سبع أرضين))؛ متفق عليه.
السبب الثاني : الفسق :
ومن أسباب حرمان الهداية : الفسْق ، وهو الخُروج عن طاعة الله، وأشدُه النفاق، وكثيرا ما يصف ربُنا المنافقين بهذه الصفة، والنفاق يحرم صاحبه الهداية؛ وذلك لأنه يزيغ القلب عن الطريق المستقيم، وهو أخطر الأمراض التي تُهدد المجتمع كله في كل زمان، وما سقط أناس كثيرون في هاوية الضلال إلا بسبب نفاقهم، فأزاغ الله قلوبهم لما زاغوا عن طريق الحق بفسقهم؛ قال تعالى : ﴿ فلما زاغُوا أزاغ اللهُ قُلُوبهُمْ واللهُ لا يهْدي الْقوْم الْفاسقين ﴾ [الصف: 5]، نسأل الله أن يُطهر قلوبنا من النفاق والرياء.
السبب الثالث : الخيانة :
جرت سنة الله في الكون على أن فُنون الباطل وإن راجت أوائلُها لا تلبث أن تنقشع، وأن الخائنين مهما طالتْ خيانتُهم فإنهم سيُكشفون؛ لأن الخيانة سواء بالقول أو الفعل زاهقة؛ لأنها باطل، قال تعالى : ﴿ فلما زاغُوا أزاغ اللهُ قُلُوبهُمْ واللهُ لا يهْدي الْقوْم الْفاسقين ﴾ [الصف: 5].
ومن أكبر الخيانة أن يخون الإنسان دينه وأمانته، ويبيع هذا الدين بعرض قليل؛ قال تعالى : ﴿ يا أيُها الذين آمنُوا لا تخُونُوا الله والرسُول وتخُونُوا أماناتكُمْ وأنْتُمْ تعْلمُون ﴾ [الأنفال: 27].
وعموما، فإن التوغُل في الظلم أو الفسْق أو الخيانة يحرم صاحبه الهداية، وإذا أراد العبد أن يسلك الهداية ﴿اهْدنا الصراط الْمُسْتقيم ﴾ [الفاتحة: 6]، إلى أن يلقى الله وهو على ذلك، فلْيتخلص من عوائق الهداية؛ وهي الظلم بجميع أنواعه (ظلم الإنسان لنفسه ولغيره)، ومن الخروج عن الطاعة، والخيانة، ثم يأخذ بأسباب الهداية، فبعدما طلب اللهُ من عباده أن يسألوه الهداية في سورة الفاتحة (اهدنا)، بين لهم صفات المُهتدين؛ حتى يتمسكوا بها، وهذا مذكور في أوائل سورة البقرة من قوله تعالى : ﴿ ذلك الْكتابُ لا ريْب فيه هُدى للْمُتقين ﴾ [البقرة: 2]إلى قوله تعالى : ﴿ أُولئك على هُدى منْ ربهمْ وأُولئك هُمُ الْمُفْلحُون ﴾ [البقرة: 5]، وحذرهم كذلك من مسالك أهْل الضلال من الكافرين والمنافقين ، من قوله تعالى : ﴿ إن الذين كفرُوا سواء عليْهمْ... ﴾ [البقرة: 6] إلى قوله تعالى : ﴿ ولوْ شاء اللهُ لذهب بسمْعهمْ وأبْصارهمْ إن الله على كُل شيْءٍ قدير ﴾ [البقرة: 20].