علينا في أيام الحج المباركة عبادات خاصة سنها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من هذه العبادات التكبير لله عقب الصلوات منذ فجر يوم عرفة إلى عصر اليوم الرابع من أيام العيد ، علينا أن نكبر عقب كل صلاة وألفاظ التكبير: الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد
إذا صلينا في جماعة نكبر جميعاً ، وإذا فاتتنا الجماعة فصلينا مفردين علينا أن نكبر أيضاً ، وإذا صلينا نافلة منفصلة عن الجماعات كبرنا أيضاً ، ونعلم ذلك لنسائنا ولصبياننا ولكن نعلم نسائنا أن يكبرن بصوت خافت لا يسمعن إلا أنفسهن ، أما الرجال فيكبروا بصوت جهوري لأنها أيام تكبير يقول فيها صلى الله عليه وسلم {زَيِّنُوا أَعْيَادَكُمْ بالتَّكْبِيرِلله}{1}
فالتكبير هو زينة العيد ، ليست زينة العيد فيما نفعله من أضواءوفيما نفعله من زينات ولكن كما قال الله {وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} البقرة185
أيضاً علينا في هذه الأيام بالأضحية لأنه فيها أجر لا يعلمه إلا الله بين بعضه رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال لابنته فاطمة: {يَا فَاطِمَةُ قُومِي فاشْهَدِي أُضْحِيَتَكِ فَإنَّ لَكِ بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا مَغْفِرَةً لِكُلِّ ذَنْبٍ ، أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا تُوضَعُ فِي مِيزَانِكِ سَبْعِينَ ضِعْفاً ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هذَا لآِلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً ، فَإنَّهُمْ أَهْلٌ لِمَا خُصُّوا بِهِ مِنَ الْخَيْر ِ، أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً؟ قَالَ: لآِلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً، وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً}{2}
وقال صلى الله عليه وسلم: {مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ ، إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا ، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الأَرْضِ ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً}{3}
وفى رواية: {قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الأَضَاحِي؟ قَالَ: سُنَّةُ أَبِيكُمْ إبْرَاهِيمَ ، قَالُوا: مَا لَنَا مِنْهَا؟ قَالَ: بِكُلِّ شَعْرَةٍ حَسَنَةٌ ، قَالُوا: فالصُّوفُ ؟ قَالَ: بِكِلِّ شَعْرَةٍ مِنَ الصُّوَفِ حَسَنَةٌ}{4}
هذا الأجر والثواب لمن يضحي كما كان يضحي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشروط التي وضحها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فما هي؟
أن يضحي بعد صلاة العيد لقول الحميد المجيد {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} الكوثر2
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {أَوَّل ما نبدأ يومنا هذا أنْ نُصَلِّيَ ، ثُمَّ ننحر ، فَمَنْ فَعَلَ ذٰلِكَ ، فَقَدْ أَصابَ سُنَّتَنَا ، وَمَنْ تَعَجَّلَ ، فَإِنَّما هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأَهْلِهِ}{5}
فلابد أن يكون الذبح بعد الصلاة لمن يريد أن ينال هذا الثواب من الله وأن تكون الأضحية مستوفية للشروط الشرعية لقول الله {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران92
ثم يخرج منها شيئاً للفقراء وشيئاً للأهل والأصحاب على هيئة هدية ويستحسن أن نقسمها إلى ثلاثة {ثلث لأهلك وثلث للفقراء وثلث للأهل والأقارب} وإذا كنت محتاجاً فلا عليك أن تأكلها كلها وأيضاً لك الأجر لأنك فقير ومحتاج
هذه الأضحية هي سنة عن أبيكم إبراهيم عليه السلام عندما ضحى عن إسماعيل عليه السلام عندما رأى في رؤياه أنه يذبح فتاه ورؤيا الأنبياء وحي من الله ولذلك عندما قال لفتاه {يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى} الصافات102
وكان الابن يعلم أن رؤيا الأنبياء أمر ووحي من الله فقال {يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} الصافات102
ثم أخذه بعيداً وقال يا أبتاه انزع قميصي حتى لا يقع عليه الدم فتراه أمي فتحزن على ذلك واجعل وجهي إلى الأرض حتى لا تنظر إلى وجهي فتأخذك الشفقة فتتردد في تنفيذ أمر الله واشحذ السكين حتى تذبح بسرعة حتى لا أتألم من آلام الذبح
فأراد أن ينفذ قضاء الله ووضع ابنه ووحيده بين يديه وقد شحذ السكين وأراد أن يقطع فإذا بالسكين لا تقطع وعجب الخليل من ذلك ، وإذا بأمين الوحي جبريل ينزل من السماء بكبش من الجنة ، وبخطاب من ربِّ الأرض والسماء بتلغراف عاجل من الله
بعد أن بكت ملائكة الله وقالت يا ربنا كيف تطلب من الخليل أن يذبح وحيده إسماعيل وهو أعلم بما قدر فى سابق علمه فقال تعالى: {يَا إِبْرَاهِيمُ{104} قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} الصافات
وفداه الله بذبح عظيم فتلك هي سنة إبراهيم ولذلك جعلها رسول الله سنة سارية إلى يوم الدين ، وقد ضحى صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين وذبحهما بيده فقد ورد فى الحديث الشريف: {كَانَ إِذَا ضَحَّى اشْتَرٰى كَبْشَيْنِ سَمِينَيْنِ أَقْرَنَيْنِ أَمْلَحَيْنِ ، فَإِذَا صَلَّى وَخَطَبَ أَتى بِأَحَدِهِمَا وَهُوَ فِي مَصَلاَّهُ فَذَبَحَهُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ هذَا عَنْ أُمَّتِي جَمِيعَاً مَنْ شَهِدَ لَكَ بِالتَّوْحِيدِ وَشَهِدَ لِي بِالْبَلاَغِ ، ثُمَّ يُؤْتى بِالآْخَرِ فَيَذْبَحَهُ وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ هذَا عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ آلِ مُحَمَّدٍ فَيُطْعِمُهُمَا جَمِيعَاً المَسَاكِينَ وَيَأْكُلُ هُوَ وَأَهْلُهُ مِنْهُمَا}{6}
فهو صلى الله عليه وسلم قد ضحى عن فقراء الأمة حتى لا يحزنوا وحتى لا يجزعوا لقد ضحى عنهم النبي الشفيع صلى الله عليه وسلم
ويسن أيضاً أن نجعل رأسها تجاه القبلة وأن نسقيها قبل الذبح وأن نريحها وأن نشحذ السكين ولا تشحذها أمامها وأن تقول عند الأضحية: {اللهم هذا عن فلان وأهل بيته ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربِّ العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين}
تلك يا أخوة الإيمان بعض أحكام الهدي التي أوجبها الله على المستطيع ، وعطف رسول الله بالفقراء والمساكين بذبحه عنهم ، سنة أبينا إبراهيم عليه السلام وما جعله الله إلا للمغفرة أي إلا لننال بها المغفرة والأجر الكريم من الله
ولا يفوتنا في هذه الأيام المباركة أن نصل أرحامنا وأن نزور أقاربنا لقول رسولكم الكريم {لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا}{7}
وحتى لا يتحجج أحد منا ويقول أنا أحسن إلى أقربائى ولكنهم لايقابلون الإحسان بمثله ، فهل تحسن إليهم أولاً ليحسنوا إليك؟ أم تحسن إليهم إقتداء بسيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم ورغبة فى مرضاة الله؟ هذه واحدة ، والثانية فقد أَتَى رَجُلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالَ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ ، وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ ، فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ: «لَئِنْ كَانَ كَمَا تَقُولُ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ ، وَلا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ}{8}
يعني كأنما تطعمهم الجمر الذي يتبقى بعد النار ، فعلينا بصلة ذوي الأرحام لأنها العبادة التي ترضي الملك العلام في هذا اليوم الكريم
{1} رواه الطبراني في الصغير والأوسط والسيوطي في الفتح الكبير عن أبي هريرة {2} أخرجه البيهقى (9/283 ، رقم 18943) . وأخرجه أيضا : الديلمى (5/433 ، رقم 8655) {3} الترمذى وابن ماجه والحاكم فى مستدركه عن عائشةَ رضَي اللَّهُ عنهَا{4} رواه أحمد وابن ماجه، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه {5} رواه البخاري ومسلم والبيهقي في سننه عن البراء بن عازب رضي الله عنه {6} أحمد فى مسنده عن أَبي رافعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، وغيرها جامع المسانيد والمراسيل {7} رواه أحمد في مسنده والبيهقي في سننه والبخاري في صحيحه وأبو داود عن عبد الله بن عمرو {8} رواه مسلم وأحمد عن أبي هريرة