أيها الإخوة الكرام..
أيها الأخ القارئ!
أوجه إليك هذا الحديث ليس من باب التسلية ولكن من باب العبرة، والإنسان يعتبر بمن حوله، والسعيد من اتعظ بغيره، ولا يقول الإنسان: أنا غير محتاج إلى هذا الكلام، فالحمد لله أنا مؤمن، فإن الله عزَّ وجلَّ أمر المؤمنين فقال:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8]
فالمؤمن يحتاج إلى توبة، والصادق يحتاج إلى توبة، وقائم الليل يحتاج إلى توبة، وصائم النهار يحتاج إلى توبة، وقارئ القرآن يحتاج إلى توبة، فكيف بالغافل عن ربه! وكيف بالذي ينظر إلى النساء يمنة ويسرة! وكيف بالذي يستمع إلى الأغاني! وكيف بمن يصر على المعاصي ويظن أن الله لا يراه! ألا يحتاج إلى توبة؟!
اسمع إلى ما يقوله الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ [التحريم:8] لمن تتوب؟ ولمن ترجع؟ ولمن تفر؟ ولمن تتوجه؟ إلى الله تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً [التحريم:8].
عبد الله! اسمع إلى بعض التائبين إلى الله جل وعلا، كيف قذف الله في قلوبهم التوبة؟ ولتكن أنت أحد هؤلاء الذين سطروا وذكروا وترحم الناس عليهم.
عبد الله! اسمع إلى هذه القصة الغريبة والنبأ العجيب: إنه شاب كان مغرماً بالأغاني والطرب، يحب مغنية حباً شديداً، حتى أولع بها، وكان له جار.. شيخ يعظه كل فترة، وينصحه في الله ويذكره، يقول الشيخ: وكان يبكي، ولكنه سرعان ما يعود إلى ماضيه ومعاصيه، قال: فظل على هذه الحالة فترة طويلة، انظر كيف إذا أراد الله أن يهدي إنساناً، كيف يسخر له أسباب الهداية، وفي يوم من الأيام نصحته فأطال في البكاء، وذكرته ووعظته فإذا به يزيد في البكاء، وعاهدني أن يتوب إلى الله، فجئته في اليوم الآخر فإذا به يأتي بأشرطة الأغاني.. أشرطة تلك الممثلة، فقال لي: يا فلان! خذ هذه الأشرطة وأحرقها، قلت له: ما الخبر؟ ما الذي جرى؟ قال: عندما نصحتني وذهبت إلى البيت، أخذت أفكر في كلامك، حتى نمت في الليل، ورأيت في المنام أنني كنت على شاطئ البحر، فإذا برجل يأتي ويقول: يا فلان! فقلت له: ما شأنك؟ فقال لي: أتعرف فلانة المطربة؟ قلت: نعم. قال: أتحبها؟ قلت: نعم أعشقها، قال: اذهب فإنها في المكان الفلاني، يقول: فركضت ركضاً سريعاً إلى تلك المطربة، فإذا برجل يأخذ بيدي، فالتفت فإذا برجل وسيم، وجهه كالقمر، وإذا به يقرأ عليَّ قوله تعالى: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] وإذا به يردد الآية بترتيل، يقول: وأنا أرددها وأرتل معه، حتى استيقظت من نومي، فإذا بي أبكي وأردد هذه الآية بترتيل: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22] يقول: أرددها وأبكي، حتى دخلت أمي عليَّ ونظرت إلى حالي، فأخذت تبكي معي، وهي تبكي، وأنا أبكي معها وأنا أردد هذه الآية: أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الملك:22].
يا معشر العاصين جود واسع عند الإله لمن يتوب ويندما
يأ يها العبد المسيء إلى متى تفني زمانك في عسى ولربما
بادر إلى مولاك يا من عمره قد ضاع في عصيانه وتصرما
واسأله توفيقاً وعفواً ثم قل يا رب بصرني وزل عني العمى
هذا رجل ذهب إلى بلد ليزني وليفعل الخنا والفجور، فإذا به يواعد عاهرة داعرة، فدخلت معه في الغرفة، فلما تزينت وتعطرت إذا بها تقول كلمة لا تقصدها ولم تردها، لكنها تلفظت بهذه الكلمة، فقالت: لا إله إلا الله، فسمع تلك الكلمات فارتجف، ثم تذكر ربه العظيم، فقال لها: يا فلانة! البسي ثيابك واخرجي من هذه الغرفة، قالت: ما شأنك؟ ما الذي جرى؟ ما الذي حدث؟ قال: لقد ذكرتيني بعظيم، ولم أكن لأعصي هذا العظيم: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً [الفرقان:68-70].
لا تقل -يا عبد الله- لي ذنوب عظيمة، ولا تقل: إن معاصيّ لا يغفرها الله لي، ولا تقل: إن خطاياي قد بلغت عنان السماء، اسمع إذا كانت توبتك صادقة: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً [الفرقان:70] لا تسوف، ولا تقل: غداً، ولا تقل: لما أصل البيت، ولا تقل: إن شاء الله في رمضان، ولا تقل: لما أحج، ولا تقل: لما أتزوج: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرر ).
يا عبد الله! لعلها تأتيك منيتك وأنت تقود السيارة، أو وأنت نائم، أو وأنت تلهو وتلعب، لا تعلم -يا عبد الله- متى تأتيك منيتك