نستعمل كلمة ( الثقافة ) ، ونقول : هذا شخص مثقّف ، وهذه ثقافة إسلامية .. فما الّذي نعني بالثقافة وبالمثقّف ..
إنّنا نقصد بالثقـافة ، مجمـوعة المعارف الانسـانية التي يكتسـبها الانسان وتؤثِّر في تفكيره وفي فهمه للأشياء ، وفي سلوكه وأخلاقه ، وعلاقته بالله وبالمجتمع والحياة .. مثل معارف العقيدة والتأريخ والفقه والآداب والقانون والسياسة والأخلاق وعلم النفس وعلم الاقتصاد والاجتماع ... إلخ .. والانسان المثقّف هو الانسان الّذي يكتسب نصيباً من هذه العلوم والمعارف وغيرها من المعارف الانسـانية ، وتؤثِّر في سلوكه تأثيراً إيجابياً ..
إنّ الانسان بحاجة إلى فهم الحياة الاجتماعية والسياسية ومعرفة التأريخ وأحكام العقيدة والشريعة والقانون والأعراف ... إلخ ; لكي يستطيع أن يتعامل مع المجتمع تعاملاً سليماً ، ويرسم خطّة حياته ، ومواقفه من الاُمور والحوادث والناس الآخرين بوضوح ونجاح .. وإذاً فالثقافة معرفة وسلوك ، أو هي معرفة تهذِّب السلوك الانساني .. والجاهل بالمعارف والعلوم لا يستطيع أن يفهم المواقف والوقائع فهماً صحيحاً ..
فمثلاً: نحنُ بحاجة إلى المعرفة لكي نحدِّد مواقنا من الوضع السياسي القائم في بلادنا ، أو النظام الاقتصادي الّذي تسير عليه الدولة ، أو المنهاج السياسي الّذي يتبنّاه حزب أو زعيم سياسي مرشّح للسّلطة أو مجلس الاُمّة .. أو مسألة دور المرأة في الحياة الاجتماعية .. أو مسألة حجاب المرأة ، أو السّفور .. أو مسألة الحرِّيّات وحقوق الانسان .. أو الموقف من مذهب اسلامي أو فكرة عقائدية ..
إنّ فهم هذه المسائل وأمثالها ، وتحديد موقفنا منها ، يحتاج إلى وعي ومعرفة ..
إنّ الانسان المثقّف هو الانسان الّذي يملك تحصيلاً علميّاً يمكِّنه من فهم الأشياء ووعيها ، وتحديد الموقف السّليم منها مباشرة ، أو عن طريق مُتابعة هذا الموضوع أو ذاك ، ودراسته وفهمه إذا واجهه ..
وحينما يكون الانسان قليل الثقافة ، أو إنساناً غير مُتعلِّم ، فلا يستطيع أن يُحدِّد موقفاً سليماً من هذه القضيّة أو تلك اعتماداً على فهمه ووعيه .. بل سيكون انساناً مقلداً أو تابعاً للآخرين .. وفي ذلك خطر على شخصيّته وموقفه .. وكثيراً ما يندفع الناس الّذين لا يملكون وعياً ولا ثقافة كافية لتأييد مواقف وقضايا خاطئة .. وبهذا الموقف يكون هذا الانسان أمّعة ، وتابعاً من غير وعي ، وكثيراً ما يتّخذ مواقف خاطئة ، ثمّ يندم بعد أن ينكشف له الموقف ..
والمثقّف ، هو إنسان حضاري ، يعرف معنى الانسانية ويحترمها ..
وهو إنسان متوازِن الشخصية ، يتعامل مع الأشياء بعقل علمي وموضوعيّة ..
والمثقّف ، هو مَنْ تؤثِّر المعرفة والثقافة في سلوكه وشخصيّته ، فتظهر ثقافته في كلامه وحديثه عندما يتحدّث مع الآخرين ، وتظهر ثقافته في سلوكه عندما يتعامل معهم ، أو يعيش في أوساطهم ..
إنّ الثقافة تظهر على شخصيّة الانسان .. تظهر في ألفاظه ولباسه ومظهره ونظام حياته في البيت ..
إنّ الانسان المثقّف ، هو الانسان المستقيم السلوك ، الّذي يختار أفعاله وسلوكه وعباراته التي ينطق بها على أساس الفهم والوعي السّليم ..
فمثلاً ، المثقّف هو مَنْ يُحدِّد موقفه السياسي من القضايا السياسية نتيجة لمعرفته بالقضايا السياسية ، ويُحدِّد علاقته بالناس الآخرين بطريقة اجتماعية مهتدية ، بعيدة عن الاساءة ، وسوء التعامل ..
والانسان المثقّف ، هو الّذي تكوِّن له الثقافة شخصيّة محترمة ومتوازِنة ، تتّسم بحُسن الخُلق والأدب الرّفيع ..
والانسان المثقّف ، هو الانسان الّذي تعلّم أُصول التعامل الاجتماعي الناجحة مع اُسرته .
والانسان المثقّف ، هو الانسان الّذي يحترم آراء الآخرين ، ويتعامل معهم باحترام .
الهويّة الثقافيّة
تختلف الثقافة من عقيدة إلى عقيدة أخرى ، ومن شعب إلى شعب آخر ، ومن مرحلة زمنيّة إلى مرحلة زمنيّة أخرى ..
فالثقافة الأوربية الرأسمالية ، تختلف عن الثقافة الماركسية .. وهاتان الثقافتان تختلفان عن الثقافة الاسلامية ... إلخ .
ونقصد بالهويّة الثقافية : نوع الثقافة ، فللثقافة الاسلامية ، مثلاً ، هويّتها الخاصة بها ، أي نوعها الخاص ، فهي ثقافة تقوم على أساس الايمان بالله تعالى ، وبالوحي والنبوّات واليوم الآخر ... إلخ ..
والثقافة المادية هي ثقافة تقوم على أساس الإلحاد ، ونكران وجود الله تعالى والأديان وقيم الأخلاق ... إلخ ..
فالمثقّف المسلم ، هو الشخص الّذي تكوّنت لديه ثقافة ومعرفة على أُسس إسلامية .. وتظهر آثار ثقافته في سلوكه ، وكتابته إن كان كاتباً أو مؤلِّفاً ، وفي حديثه عندما يلقي محاضرة أو يدير ندوة ، أو يتحدّث في اجتماع ، أو يدخل في حوار ثقافي ..
فالمثقّف المسلم ، هو الشخص الّذي تكوّنت لديه معارف اسلامية من القرآن الكريم والسنّة والسيرة النبويّة المطهّرة والتأريخ والفقه والعقيدة والفكر الاسلامي . فصار يفهم المعرفةلانسانية والحياة والمجتمع على أُسس اسلامية ، فهو يفهم ـ مثلاً ـ الحريّة والسياسة والأخلاق وعلاقات الرّجل بالمرأة والسلوك الاجتماعي ... إلخ ، على أُسس اسلامية ، ويفهم الاُمور ، ويفكِّر بطريقة اسلامية ، ويقيسها بمقياس الحلال والحرام ، والايمان بالله ، وتوافقها مع العقل العلمي السّليم ..
مستجمع