الطب عند العرب
مآثر العرب في العلوم الطبية
اختلط الطب بالكهانة لدى العرب في الجاهلية، ذلك أن التطبيب بالرقى كان شائعا في الأمم القديمة كلها، وكانوا كالمصريين، يعالجون بالأشربة والكي. فعالجوا الرمد بالاثمد (الكحل)، والسرطان بالنار. وكانوا يعالجون بالبتر والحمية. وعرفوا الطب البيطري لحاجاتهم إلى الخيل وأن أفراد منهم اشتهروا بها، ومن أشهرهم: لقمان الحكيم، وابن حزيم، والحرث بن كلدة، وابنه النصر. ومن أشهر الجراحين ابن رومية التميمي.
بعد الفتح الإسلامي، اتصل العرب بالحضارات العالمية وترجموا لأبقراط وجالينوس أشهر طبيبين إغريقيين، فاستفادوا كثيراً من هذا الحقل. وقد درسوا المعلومات التي نقلوها واستوعبوها وجربوها، وكانوا يأخذون ما يتوافق معهم ويضيفون إليه إضافات تدل على مرونة وحذق. وكان ما زادوه في حقل الطب مبنياً على التجربة. وهذه أهم مآثرهم في هذا الحقل:
1- وضع العرب دستوراً للطبيب، ربما كان بعضه ما يعرف "بقسم أبقراط". وبموجبه لا يجوز أن يمارس هذه المهنة إلا من توافرت فيه الأمانة الطبية والخلق والذكاء وحسن الذاكرة والهندام والنظافة وكتمان السر والعفة وسلامة الطوية.
2- أخذ العرب ما جاء في الطب اليوناني بعد درس وتمحيص، وتركوا ما خالف العلم والتجربة. لذا خالفوا الإغريق في القول: إن المرض قائم داخل الجسم ولا علاقة له بما في خارجه. بل إنهم قالوا: إن سبب الأمراض هو من خارج الجسم وهذا ما أثبته الطب الحديث بعد اكتشاف الجراثيم.
3- رفض العرب معالجة مريضين بالداء ذاته، لأن لكل مريض خلفيات يجب أن تراعى، كتأثير المناخ والماء الذي ذكره أبقراط، وفحص النبض ولون البول الذي قال به جالينوس. وقد أضاف العرب إلى ذلك أسلوب المعيشة والعادات والتقاليد والمواضيع الوراثية وحالة أفراد الأسرة والسؤال عن المرض الذي أصيب به المريض قبل مرضه الأخير.
4- عمد العرب إلى التشخيص آخذين بقول أبقراط وجالينوس في فحص المريض من لون البول والبراز وفحص النبض، مضيفين مراقبة الحرارة والتنفس واختلافات لون البول ورواسبه وختارته (لزوجته).
5- بسبب وجود المستشفيات لديهم، كانوا يواصلون عملية التشخيص طوال مدة المرض، متفحصين الأعراض التي تبدو على الجلد والعينين، ويدونون الملاحظات. ويضرب أبو بكر الرازي في كتابه الحاوي أفضل مثل على ذلك.
كما اهتم العرب بأمراض العيون، خاصة وأن هذه الأمراض تكثر في البلاد الحارة، فشرّحوا عيون الحيوان. وقد ألف علي بن عيسى رسالة شخّص فيها أمراض العيون الباطنة والظاهرة، وشرح طرق معالجتها. وقد اشتهر في هذا الحقل بالذات ابن اسحق ويوحنا بن ماسويه.
كما أثبت لسان الدين بن الخطيب أن مرض الطاعون ينتقل بالعدوى. ومن هنا يكون العرب قد أشاروا إلى وجود جراثيم.
وكان علي بن الحزم المعروف بابن النفيس (ولد في دمشق وعاش في القاهرة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر للميلاد)، كان أول من اكتشف الدورة الدموية الصغرى وتنقية الدم في الرئتين. واكتشف الطبري الحشرة التي تسبب داء الجرب، وشرح مرض الجذام وبين علاجه.
وقد سبق العرب غيرهم إلى:
Ø استخدام المخدرات أثناء الجراحة، واستخرجوها من الحشيش والأفيون وست الحسن والزؤان.
Ø اكتشاف أمراض السل من لون الأظفار.
Ø استعمال الأفيون لمعالجة الأجهزة العصبية والجنون.
Ø الماء البارد لمعالجة النزيف.
Ø الأدوية التي تولد البرودة في المشلولين، على خلاف الإغريق الذين كانوا يصفون الأدوية التي تولد الحرارة.
Ø رد المقاومة المفاجئ في معالجة خلع الكتف.
Ø إصلاح خلل الأسنان المقوسة.
Ø وصف الدواء الشافي من اليرقان والهواء الأصفر.
Ø وصف الأطعمة النباتية لإزالة قبض المعدة المسبب لداء البواسير.
Ø معالجة الأمراض العصبية معالجة نفسية. وقد كتب ابن عمران كتابا عنوانه "الملانخوليا" وصف فيه أعراض هذا الدواء العصبي.
Ø اكتشاف أدوية مانعة للحمل.
Ø أجرى العرب عمليات جراحية للعيون واستخرجوا الماء الأزرق منها بسهولة.
Ø جمع العرب بين المذهب اليوناني المزاجي الطبيعي والهندي النفساني الروحاني والعربي التجريبي الإختباري.
Ø علّموا الطب نظريا وعمليا، بالإلقاء في حلقات الدرس والتطبيق في المستشفيات.
Ø وصف ابن رشد في كتابه "الكليات" الأمراض وعوارضها.
Ø بحث ابن زهر في التشخيص السريري وتشخيص الأورام الخبيثة في الجذع والشفاف.
Ø قسّم العرب المستشفيات: بعضها للرجال، وبعضها للنساء. وفصلوا المستشفيات الجراحية عن مستشفيات الأمراض السارية، وقسّموا هذه أيضا، فبات منها ما يختص بالمجذومين وأخرى بالمصدورين وثالثة للأمراض العقلية. وأنشأوا مستشفيات للجيش وأماكن إسعاف وأقاموا مستشفيات في السجون وأخرى للعميان والعجزة والأيتام، كما عرفوا المستشفى المحمول.