أبشـــركــــــــــم...ستمـــــوتــــــــــــون
الحمد لله، نحمده تعالى، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صلّ على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد
.
أما بعد،
فأولاً: والله أنا أحبكم في الله، (وأسأل الله جل جلاله أن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل، وأن ينجيني وإياكم من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يعافينا من البلاء، اللهم إنا نسألك الثبات على الحق، والعزيمة على الرشد، والغنيمة من كل بر، والسلامة من كل إثم، والفوز بالجنة، والنجاة من النار).
ثم هذه وصية مودع..
الوصية الأولى: "لا تنشغلوا بالناس"
فتأمل كاف الخطاب في آخر كل كلمة (لسانك، بيتك، خطيئتك) لأن الخطاب يقول: "نفسك.. نفسك".
نحن في زمن سوء، والناس تخطّـفتهم الفتن، وأهمّتهم أنفسهم بجاهلية هي غيرُ الحق، والشيطان وجد في هذا الزمان مدخلاً يفسد به على المرء دينه بأن يشغله بمن حوله: "انظر ماذا فعل فلان.."، "انظر ماذا قال فلان.."، "انظر ماذا يركب فلان.."، "انظر أين يسكن فلان.."، "انظر فلان ماذا عنده.." وهكذا..
فلان.. وفلان.. وفلان..
وصرت مشغولاً ليلك ونهارك بالناس وبالأشياء، ونسيت الله. (اللهم ذكّرنا بك فلا ننساك).
في سياق الكاف أنهم انشغلوا بالناس عن الله، فأنساهم أنفسهم. وهكذا حال من تجده مشغولا بالرد على الناس.. مشغولا بإسكات الناس.. مشغولا بإرضاء الناس.. مشغولا بتحسين صورته عند الناس.. هذا هو الضياع نفسه (اللهم نجّنا).
الوصية الثانية: "ذروا الشهوات"
يقول ابن القيم في كتاب الفوائد: "ترك المعاصي وإن أنجى من عذاب الله إلا أن كنوز الخير وذخائر البر موقوفة على من ترك الشهوات لله".
الكلام شهوة، والنوم شهوة، والأكل شهوة، والاختلاط بالناس شهوة، وتحسين وتزيين اللباس شهوة... الخ
دائماً يساق السياق: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ}، ويوقف عند هذا الحد، ثم تأتي بقية الآية: {قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ}.
فالذي يؤمن أن شهواته هناك ستنطلق، يستطيع أن يحجّم شهواته في الدنيا، ويذخرها لانفلاتها خالصة يوم القيامة
.
لابد من ترك بعض الشهوات، ونحن نرى كثيرًا من الإخوة يضيّعون دينهم في هذه الأيام من أجل المال، أو من أجل امرأة أو..
إخوتي،،، أبنائي،،
لم أكن أتصور قط أن يأتي يوم نرى فيه بعض الملتزمين وكل همّهم لقمة العيش، ألا فلتذهب لقمة العيش إلى الجحيم إن كان هذا سيقدح في الدين
لم أكن أتصور قط أن يأتي يوم على ملتزم تكون طاعته فيه لامرأة طاعة مطلقة، سبحان الله
!!
بعض المواقف قد تبدو في عينيك صغيرة، لكن المواقف الصغيرة..-وهذا من قوانين مدرسة الحياة- .. المواقف الصغيرة تخفي خلفها مصائب كبيرة
.
فلان زوجته أنجبت:
- ماذا ستسمي البنت يا بني؟
-سأسميها: "مِنّة الله"
- لماذا يا بني؟ سمّها فاطمة.
- لا. زوجتي أصرّت، ولا أريد أن أغضبها.
أقول إن مثل هذا الموقف قد يبدو في عينيك صغيراً، ولكن عندما توضَع فيه، وتضطر أن تسمي ابنتك رغم أنفك: "هي اسمها كذا وإلا.. فتأهّب لتنغيص حياتك" ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
هذه هي الحقيقة التي لا تفصح عنها لأحد، إنك تفعل ذلك لمجرد أن هذه الشخصية ستنغص عليك معيشتك، تفعله إذن خوفاً منها. أليس هذا قادحا في التوحيد؟ شيء مخيف
!!
هذا موقف صغير جداً وتافه، سمّها منة الله.. ذاك ليس بحرام، وارضِ امرأتك.. لا مشكل، ولكني أتكلم عن عمق المأساة.. فتنبّه.
. وأقول للإخوة الذين التزموا الالتزام الشكلي: {عَلَى خَوْفٍ.....} إن أصحاب الإيمان الذي يقوم على غير أصل ثابت، تضطرب قلوبهم عند لمعان السيوف أو بريق الذهب والفضة
..
تضطرب قلوبهم عند الخوف وعند الرجاء.. عند الشدة وعند الرخاء.. عند المحنة وعند النعمة...
تجد الواحد من هؤلاء إذا خاف فرّط في التزامه ودينه...، وإذا فتح الله عليه الدنيا فرّط فيهما من جديد، واهتز قلبه.
إنها مرحلة الأمان: أن لا يُحبس.. ولا يُضرب.. ولا يُهان.. ولا يُؤذى..
مرحلة الحرص على الرخاء: أن يأكل جيداً.. وينام جيداً.. ويقضي شهواته جيداً
..
متى نعبر هذه المرحلة؟ متى نعبرها لنؤْثر الله على شهواتنا.. على ذواتنا؟
وإن قال ربي شيئا فلا اعتراض، بل على الجميع أن يقول: "سمعنا وأطعنا" عوض أن نسمع تساؤلات من قبيل: "أفضل مني لماذا؟"، "أفضل مني بماذا؟"..
لقد أقام ربي تراتبية في البيت لأنه سبحانه عليم بالنفوس، ويعلم أن البيت الذي يحكمه رجلان يتوقف، فلا مجال لتساوي السلط لضمان سلاسة الحياة ويسرها، على أن الرجل يجب أن يدرك المسؤوليات التي تلقى على عاتقه -لداعي القوامة- فلا يظلم ولا يجور.
وفي ذات الآية بيّن الله سبحانه وتعالى أن المعترضات على هذا لسن من أهل الله: {فَالصَّالِحَاتٌ قَانِتَاتٌ} يعني: مطيعات مستسلمات.
الوصية الثالثة والأخيرة: "أحسنوا
مازلنا نعيش حياة عشوائية، وبناءًا عليه جاءت الأعمال عشوائية، فلم يعد هناك إحسان في العمل، وعزّ الإتقان فيما يُفعَل. يُفعَل.
كم أتمنى أن أرى الأخ الذي يحسن الوضوء، ويحسن الصلاة، ويحسن ارتداء الملابس المتاحة له، ويحسن الهيئة والسمت الصالح، ويحسن الكلام، ويحسن حتى في عمله الدنيوي..
يحسن..
الإحسان: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
الإحسان أقل درجاته أن تراقب الله: "الله يراك"، ومنه إحسان المعاملة مع الآخرين.
إخوتي في الله،،،
أحسنوا..
أحسنوا لبعضكم البعض..
قد صارت الحياة ملأى بالتربص: الكل متربص بالكل، والأعصاب شُدّت، بل انفلتت..
فيا أحبائي.. أحسنوا
أُخرجوا من هذه الوصية بهذه الكلمات الثلاث
:
لا تنشغلوا بالناس: دع من يقول يقول، ومن يعلو يعلو ، ومن يقع يقع... وانشغل بالله وحده
.
اتركوا الشهوات لله: فمنهجنا يحتاج إلى وقت: نحتاج إلى وقت كي نعبد الله؛ كي نقرأ.. كي نختم القرآن.. كي نقول بعض الأذكار.. كي نتعلم بعض العلم.. كي ندعو إلى الله عز وجل.. كي نربي أولادنا.. كي نحكم نساءنا..
نحتاج لفعل كل ذلك وغيره مما لا مجال لذكره في هذه الوصية المختصرة.
فلا تنشغلوا بالناس، وذروا الشهوات كي يبقى أكبر وقت لله
.
. . . فأحسنوا..
و أخيراً...
أبــــــــــــــــــشركــــــــــــــم.. ستمـــــــوتـــــــــــون..
ســـتـــــــــــــــــــــمـــــوتـــــــــــون والـــــــلـــــــــه..
وتدخـــــــــــــــلـــــــــــــــــــون القبــــــــــــــــــــور..
وتـــــــــــــــــلقـــــــــــــــــــــــــون الــــــــلـــــــــه..
وســـــــــــــــــــيســــــــــــــــــــألكـــــــــــــــــــــم..
اللهم إني بلغت، اللهم فاشهد.
أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه.
منقول