أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الإمام الجليلوالمحدث العظيم محمد بن إسماعيل البخاري أمير أهل الحديث وصاحب أصح كتاببعد كتاب الله تعالى، يقول البخاري: صنفت الصحيح في ست عشرة سنة وجعلتهحجة فيما بيني وبين الله تعالى.
ولم يشهد تاريخ الإسلام مثله فيقوة الحفظ ودقة الرواية والصبر على البحث مع قلة الإمكانات، حتى أصبحمنارة في الحديث وفاق تلامذته وشيوخه على السواء.
ويقول عنه أحد العلماء: لا أعلم أني رأيت مثله كأنه لم يخلق إلا للحديث.
فمع سيرة البخاري ومواقف من حياته.
نسبه ومولده
هو أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبه البخاري وكلمة بردزبه تعني بلغة بخارى "الزراع"
أسلم جده "المغيرة" على يدي اليمان الجعفي والي بخارى وكان مجوسيا وطلبوالده إسماعيل بن إبراهيم العلم والتقى بعدد من كبار العلماء، وروى إسحاقبن أحمد بن خلف أنه سمع البخاري يقول سمع أبي من مالك بن أنس ورأى حماد بنزيد وصافح ابن المبارك بكلتا يديه.
ولد أبو عبد الله في يوم الجمعة الرابع من شوال سنة أربع وتسعين.
ويروى أن محمد بن إسماعيل عمي في صغره فرأت والدته في المنام إبراهيمالخليل عليه السلام فقال لها يا هذه قد رد الله على ابنك بصره لكثرة بكائكأو كثرة دعائك شك البلخي فأصبحت وقد رد الله عليه بصره.
قوة حفظه وذاكرته
ووهب الله للبخاري منذ طفولته قوة في الذكاء والحفظ من خلال ذاكرة قوية تحدى بها أقوى الاختبارات التي تعرض لها في عدة مواقف.
يقول محمد بن أبي حاتم: قلت لأبي عبد الله: كيف كان بدء أمرك قال ألهمتحفظ الحديث وأنا في الكتاب فقلت كم كان سنك فقال عشر سنين أو أقل ثم خرجتمن الكتاب بعد العشر فجعلت أختلف إلى الداخلي وغيره فقال يوما فيما كانيقرأ للناس سفيان عن أبي الزبير عن إبراهيم، فقلت له: إن أبا الزبير لميرو عن إبراهيم فانتهرني فقلت له ارجع إلى الأصل، فدخل فنظر فيه ثم خرجفقال لي: كيف هو يا غلام؟ قلت:هو الزبير بن عدي عن إبراهيم.
فأخذ القلم مني وأحكم( أصلح) كتابه وقال: صدقت.
فقيل للبخاري ابن كم كنت حين رددت عليه قال ابن إحدى عشرة سنة.
ولما بلغ البخاري ست عشرة سنة كان قد حفظ كتب ابن المبارك ووكيع.
وقالمحمد بن أبي حاتم الوراق سمعت حاشد بن إسماعيل وآخر يقولان كان أبو عبدالله البخاري يختلف معنا إلى مشايخ البصرة وهو غلام فلا يكتب حتى أتى علىذلك أيام فكنا نقول له إنك تختلف معنا ولا تكتب فما تصنع فقال لنا يومابعد ستة عشر يوما إنكما قد أكثرتما على وألححتما فاعرضا على ما كتبتمافأخرجنا إليه ما كان عندنا فزاد على خمسة عشر ألف حديث فقرأها كلها عن ظهرقلب حتى جعلنا نحكم كتبنا من حفظه ثم قال أترون أني أختلف هدرا وأضيعأيامي فعرفنا أنه لا يتقدمه أحد.
وقال ابن عدي حدثني محمد بن أحمدالقومسي سمعت محمد ابن خميرويه سمعت محمد بن إسماعيل يقول أحفظ مائة ألفحديث صحيح وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح
قال وسمعت أبا بكرالكلواذاني يقول ما رأيت مثل محمد بن إسماعيل كان يأخذ الكتاب من العلماءفيطلع عليه اطلاعة فيحفظ عامة أطراف الأحاديث بمرة.
طلبه للحديث
رحل البخاري بين عدة بلدان طلبا للحديث الشريف ولينهل من كبار علماء وشيوخ عصره في بخارى وغيرها.
وروي عن البخاري أنه كان يقول قبل موته: كتبت عن ألف وثمانين رجلا ليس فيهم إلا صاحب حديث كانوا يقولون الإيمان قول وعمل يزيد وينقص.
ونعودإلى البخاري في رحلته في طلب العلم ونبدأها من مسقط رأسه بخارى فقد سمعبها من الجعفي المسندي ومحمد بن سلام البيكندي وجماعة ليسوا من كبار شيوخهثم رحل إلى بلخ وسمع هناك من مكبن بن إبراهيم وهو من كبار شيوخه وسمع بمرومن عبدان بن عثمان وعلي بن الحسن بن شقيق وصدقة بن الفضل. وسمع بنيسابورمن يحيى بن يحيى وجماعة من العلماء وبالري من إبراهيم بن موسى.
وفي أواخر سنة 210هـ قدم البخاري العراق وتنقل بين مدنها ليسمع من شيوخهاوعلمائها. وقال البخاري دخلت بغداد آخر ثمان مرات في كل ذلك أجالس أحمد بنحنبل فقال لي في آخر ما ودعته يا أبا عبد الله تدع العلم والناس وتصير إلىخراسان قال فأنا الآن أذكر قوله.
ثم رحل إلى مكة وسمع هناك من أبي عبد الرحمن المقرئ وخلاد بن يحي وحسان بن حسان البصري وأبي الوليد أحمد بن محمد الأزرقي والحميدي.
وسمع بالمدينة من عبد العزيز الأويسي وأيوب بن سليمان بن بلال وإسماعيل بن أبي أويس.
وأكمل رحلته في العالم الإسلامي آنذاك فذهب إلى مصر ثم ذهب إلى الشام وسمعمن أبي اليمان وآدم بن أبي إياس وعلي بن عياش وبشر بن شعيب وقد سمع من أبيالمغيرة عبد القدوس وأحمد بن خالد الوهبي ومحمد بن يوسف الفريابي وأبيمسهر وآخرين.
مؤلفات البخاري
عد العلماء كتاب الجامع الصحيحالمعروف بـ"صحيح البخاري" أصح كتاب بعد كتاب الله، ويقول عنه علماء الحديث"هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في شيء كثير منالأحاديث وذلك لأن أبا عبد الله أسن الجماعة وأقدمهم لقيا للكبار أخذ عنجماعة يروي الأئمة الخمسة عنهم"
ويقول في قصة تأليفه "الجامعالصحيح ":" كنت عند إسحاق بن راهويه فقال بعض أصحابنا لو جمعتم كتابامختصرا لسنن النبي فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع هذا الكتاب"
ويقول في بعض الروايات:
ـ أخرجت هذا الكتاب من زهاء ست مائة ألف حديث.
ـ ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا اغتسلت قبل ذلك وصليت ركعتين.
ـ ما أدخلت في هذا الكتاب إلا ما صح وتركت من الصحاح كي لا يطول الكتاب.
ويروي البخاري أنه بدأ التأليف وعمره 18 سنة فيقول:
"فيثمان عشرة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم وذلك أيام عبيدالله بن موسى، وصنفت كتاب التاريخ إذ ذاك عند قبر رسول الله في اللياليالمقمرة وقل اسم في التاريخ إلا وله قصة إلا أني كرهت تطويل الكتاب، وكنتأختلف إلى الفقهاء بمرو وأنا صبي فإذا جئت أستحي أن أسلم عليهم فقال ليمؤدب من أهلها كم كتبت اليوم فقلت: اثنين وأردت بذلك حديثين فضحك من حضرالمجلس فقال شيخ منهم لا تضحكوا فلعله يضحك منكم يوما"
وقال أبوجعفر محمد بن أبي حاتم قلت لأبي عبد الله تحفظ جميع ما أدخلت في المصنففقال لا يخفى علي جميع ما فيه، وسمعته يقول صنفت جميع كتبي ثلاث مرات.
دقته واجتهاده ظلالبخاري ستة عشر عاما يجمع الأحاديث الصحاح في دقة متناهية، وعمل دؤوب،وصبر على البحث وتحري الصواب قلما توافرت لباحث قبله أو بعده حتى اليوم،وكان بعد كل هذا لا يدون الحديث إلا بعد أن يغتسل ويصلي ركعتين.
يروي أحد تلامذته أنه بات عنده ذات ليلة فأحصى عليه أنه قام وأسرج يستذكر أشياء يعلقها في ليلة ثمان عشرة مرة.
وقال محمد بن أبي حاتم الوراق كان أبو عبد الله إذا كنت معه في سفر يجمعنابيت واحد إلا في القيظ أحيانا فكنت أراه يقوم في ليلة واحدة خمس عشرة مرةإلى عشرين مرة في كل ذلك يأخذ القداحة فيوري نارا ويسرج ثم يخرج أحاديثفيعلم عليها.
وروي عن البخاري أنه قال: لم تكن كتابتي للحديث كماكتب هؤلاء كنت إذا كتبت عن رجل سألته عن اسمه وكنيته ونسبته وحمله الحديثإن كان الرجل فهما، فإن لم يكن سألته أن يخرج إلي أصله ونسخته فأماالآخرون لا يبالون ما يكتبون وكيف يكتبون.
وكان العباس الدورييقول: ما رأيت أحدا يحسن طلب الحديث مثل محمد بن إسماعيل كان لا يدع أصلاولا فرعا إلا قلعه ثم قال لنا لا تدعوا من كلامه شيئا إلا كتبتموه.
تفوقه على أقرانه في الحديث
ظهر نبوغ البخاري مبكرا فتفوق على أقرانه، وصاروا يتتلمذون على يديه، ويحتفون به في البلدان.
فقدروي أن أهل المعرفة من البصريين يعدون خلفه في طلب الحديث وهو شاب حتىيغلبوه على نفسه ويجلسوه في بعض الطريق فيجتمع عليه ألوف أكثرهم ممن يكتبعنه وكان شابا لم يخرج وجهه.
وروي عن يوسف بن موسى المروروذي يقولكنت بالبصرة في جامعها إذ سمعت مناديا ينادي يا أهل العلم قد قدم محمد بنإسماعيل البخاري فقاموا في طلبه وكنت معهم فرأينا رجلا شابا يصلي خلفالأسطوانة فلما فرغ من الصلاة أحدقوا به وسألوه أن يعقد لهم مجلس الإملاءفأجابهم فلما كان الغد اجتمع قريب من كذا كذ ألف فجلس للإملاء وقال يا أهلالبصرة أنا شاب وقد سألتموني أن أحدثكم وسأحدثكم بأحاديث عن أهل بلدكمتستفيدون منها.
وقال أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ سمعت عدةمشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديثفاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذالإسناد هذا و إسناد هذا لمتن هذا ودفعوا إلى كل واحد عشرة أحاديث ليلقوهاعلى البخاري في المجلس فاجتمع الناس وانتدب أحدهم فسأل البخاري عن حديث منعشرته فقال لا أعرفه وسأله عن آخر فقال لا أعرفه وكذلك حتى فرغ من عشرتهفكان الفقهاء يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون الرجل فهم. ومن كان لا يدري قضىعلى البخاري بالعجز ثم انتدب آخر ففعل كما فعل الأول والبخاري يقول لاأعرفه ثم الثالث وإلى تمام العشرة أنفس وهو لا يزيدهم على لا أعرفه. فلماعلم أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال أما حديثك الأول فكذاوالثاني كذا والثالث كذا إلى العشرة فرد كل متن إلى إسناده وفعل بالآخرينمثل ذلك فأقر له الناس بالحفظ فكان ابن صاعد إذا ذكره يقول الكبش النطاح.
ورويعن أبي الأزهر قال كان بسمرقند أربعمائة ممن يطلبون الحديث فاجتمعوا سبعةأيام وأحبوا مغالطة البخاري فأدخلوا إسناد الشام في إسناد العراق وإسناداليمن في إسناد الحرمين فما تعلقوا منه بسقطة لا في الإسناد ولا في المتن.
وقالأحيد بن أبي جعفر والي بخارى قال محمد بن إسماعيل يوما رب حديث سمعتهبالبصرة كتبته بالشام ورب حديث سمعته بالشام كتبته بمصر فقلت له: يا أباعبد الله بكماله قال: فسكت.
من كلمات البخاري
[لا أعلم شيئا يحتاج إليه إلا وهو في الكتاب والسنة]
[ماجلست للحديث حتى عرفت الصحيح من السقيم وحتى نظرت في عامة كتب الرأي وحتىدخلت البصرة خمس مرات أو نحوها فما تركت بها حديثا صحيحا إلا كتبته إلا مالم يظهر لي]
[ما أردت أن أتكلم بكلام فيه ذكر الدنيا إلا بدأت بحمد الله والثناء عليه]
مواقف من حياة البخاري
قالبكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري يقول أرجو أن ألقى الله ولايحاسبني أني اغتبت أحدا قلت صدق رحمه الله ومن نظر في كلامه في الجرحوالتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه فإنه أكثر مايقول: منكر الحديث، سكتوا عنه، فيه نظر ونحو هذا. وقل أن يقول فلان كذابأو كان يضع الحديث حتى إنه قال إذا قلت فلان في حديثه نظر فهو متهم واهوهذا معنى قوله لا يحاسبني الله أني اغتبت أحدا وهذا هو والله غاية الورع.
يقولمحمد بن أبي حاتم: كان أبو عبد الله يصلي في وقت السحر ثلاث عشرة ركعةوكان لا يوقظني في كل ما يقوم فقلت أراك تحمل على نفسك ولم توقظني قال أنتشاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك.
*يروي البخاري فيقول كنت بنيسابورأجلس في الجامع فذهب عمرو بن زرارة وإسحاق بن راهويه إلى يعقوب بن عبدالله والي نيسابور فأخبروه بمكاني فاعتذر إليهم وقال مذهبنا إذا رفع إليناغريب لم نعرفه حبسناه حتى يظهر لنا أمره فقال له بعضهم: بلغني أنه قال لكلا تحسن تصلي فكيف تجلس فقال لو قيل لي شيء من هذا ما كنت أقوم من ذلكالمجلس حتى أروي عشرة آلاف حديث في الصلاة خاصة.
وذات يوم ناظر أبوبكر البخاري في أحاديث سفيان فعرفها كلها ثم أقبل محمد عليه فأغرب عليهمائتي حديث فكان أبو بكر بعد ذلك يقول ذاك الفتى البازل والبازل الجملالمسن إلا أنه يريد هاهنا البصير بالعلم الشجاع.
قال محمد بن أبيحاتم سمعت البخاري يقول دخلت بلخ فسألني أصحاب الحديث أن أملي عليهم لكلمن كتبت عنه حديثا فأمليت ألف حديث لألف رجل ممن كتبت عنهم.
قالأبو جعفر سمعت أبا عمر سليم بن مجاهد يقول كنت عند محمد بن سلام البيكتديفقال لو جئت قبل لرأيت صبيا يحفظ سبعين ألف حديث قال فخرجت في طلبه حتىلحقته قال أنت الذي يقول إني أحفظ سبعين ألف حديث قال نعم وأكثر ولا أجيئكبحديث من الصحابة والتابعين إلا عرفتك مولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم ولستأروي حديثا من حديث الصحابة أو التابعين إلا ولي من ذلك أصل أحفظه حفظا عنكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال محمد بن يعقوببن الأخرم: سمعت أصحابنا يقولون لما قدم البخاري نيسابور استقبله أربعةآلاف رجل ركبانا على الخيل سوى من ركب بغلا أو حمارا وسوى الرجالة.
ورعه
·قال محمد بن أبي حاتم ركبنا يوما إلى الرمي، فجعلنا نرمي وأصاب سهم أبيعبد الله البخاري وتد القنطرة الذي على نهر ورادة فانشق الوتد فلما رآهأبو عبد الله نزل عن دابته فأخرج السهم من الوتد وترك الرمي وقال لناارجعوا ورجعنا معه إلى المنزل. فقال لي يا أبا جعفر لي إليك حاجة مهمةقالها وهو يتنفس الصعداء، وقال لمن معنا اذهبوا مع أبي جعفر حتى تعينوهعلى ما سألته فقلت أية حاجة هي. قال لي: تضمن قضاءها؟ قلت نعم على الرأسوالعين. قال: ينبغي أن تصير إلى صاحب القنطرة فتقول له إنا قد أخللنابالوتد فنحب أن تأذن لنا في إقامة بدله أو تأخذ ثمنه وتجعلنا في حل مماكان منا. وكان صاحب القنطرة حميد بن الأخضر الفربري. فقال لي أبلغ أبا عبدالله السلام وقل له أنت في حل مما كان منك وجميع ملكي لك الفداء وإن قلتنفسي أكون قد كذبت، غير أني لم أكن أحب أن تحتشمني في وتد أو في ملكيفأبلغته رسالته فتهلل وجهه واستنار وأظهر سرورا وقرأ في ذلك اليوم علىالغرباء نحوا من خمسمائة حديث وتصدق بثلاث مائة درهم.
· وقال بنأبي حاتم ورأيته استلقى على قفاه يوما ونحن بفربر في تصنيفه كتاب التفسيروأتعب نفسه ذلك اليوم في كثرة إخراج الحديث فقلت له إني أراك تقول إني ماأثبت شيئا بغير علم قط منذ عقلت فما الفائدة في الاستلقاء قال أتعبناأنفسنا اليوم وهذا ثغر من الثغور خشيت أن يحدث حدث من أمر العد فأحببت أناستريح وآخذ أهبة فإن فاجئنا العدو كان بنا حراك.
· وضيفه بعضأصحابه في بستان له وضيفنا معه فلما جلسنا أعجب صاحب البستان بستانه وذلكأنه كان عمل مجالس فيه وأجرى الماء في أنهاره فقال له يا أبا عبد الله كيفترى فقال هذه الحياة الدنيا.
· وقال أحمد بن حفص: دخلت على أبيالحسن يعني إسماعيل والد أبي عبد الله عند موته فقال لا أعلم من ماليدرهما من حرام ولا درهما من شبهة قال أحمد فتصاغرت إلي نفسي عند ذلك ثمقال أبو عبد الله أصدق ما يكون الرجل عند الموت.
وكان الحسين بنمحمد السمرقندي يقول كان محمد بن إسماعيل مخصوصا بثلاث خصال مع ما كان فيهمن الخصال المحمودة كان قليل الكلام وكان لا يطمع فيما عند الناس وكان لايشتغل بأمور الناس كل شغله كان في العلم.
عمله بالتجارة
وعمل البخاري بالتجارة فكان مثالا للتاجر الصدوق الذي لا يغش ولا ينقض نيته مهما كانت المغريات.
رويأنه حملت إلى البخاري بضاعة أنفذها إليه ابنه أحمد فاجتمع بعض التجار إليهفطلبوها بربح خمسة آلاف درهم فقال انصرفوا الليلة فجاءه من الغد تجارآخرون فطلبوا منه البضاعة بربح عشرة آلاف فقال إني نويت بيعها للذين أتواالبارحة.
ثناء الأئمة عليه
قال أبو إسحاق السرماري: من أراد أن ينظر إلى فقيه بحقه وصدقه فلينظر إلى محمد بن إسماعيل.
قالأبو جعفر سمعت يحيى بن جعفر يقول لو قدرت أن أزيد في عمر محمد بن إسماعيلمن عمري لفعلت فإن موتي يكون موت رجل واحد وموته ذهاب العلم.
وكان نعيم بن حماد يقول: محمد بن إسماعيل فقيه هذه الأمة.
قال مصعب الزهري محمد بن إسماعيل أفقه عندنا وأبصر بالحديث.
ورويعن إسحاق بن راهويه أنه كان يقول اكتبوا عن هذا الشاب يعني البخاري فلوكان في زمن الحسن لاحتاج إليه الناس لمعرفته بالحديث وفقهه.
وكانعلي بن حجر يقول أخرجت خراسان ثلاثة أبو زرعة ومحمد بن إسماعيل وعبد اللهبن عبد الرحمن الدارمي ومحمد عندي أبصرهم وأعلمهم وأفقههم.
وقالمحمد بن أبي حاتم سمعت إبراهيم بن خالد المروزي يقول رأيت أبا عمار الحسينبن حريث يثني على أبي عبد الله البخاري ويقول لا أعلم أني رأيت مثله كأنهلم يخلق إلا للحديث.
وقال محمد حدثني حاتم بن مالك الوراق قال سمعت علماء مكة يقولون محمد بن إسماعيل إمامنا وفقيهنا وفقيه خراسان.
وقال أبو الطيب حاتم بن منصور الكسي يقول محمد بن إسماعيل آية من آيات الله في بصره ونفاذه من العلم.
وقال سليم بن مجاهد يقول لو أن وكيعا وابن عيينة وابن المبارك كانوا في الأحياء لاحتاجوا إلى محمد بن إسماعيل.
ورويعن قتيبة بن سعيد أنه قال لو كان محمد في الصحابة لكان آية. نظرت فيالحديث ونظرت في الرأي وجالست الفقهاء والزهاد والعباد ما رأيت منذ عقلتمثل محمد بن إسماعيل.
وقال الإمام أحمد بن حنبل: لم يجئنا من خراسان مثل محمد بن إسماعيل.
وقال أبو عبد الله الحاكم: محمد بن إسماعيل البخاري إمام أهل الحديث.
قال أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: ما رأيت تحت أديم السماء أعلم بحديث رسول الله وأحفظ له من محمد بن إسماعيل.
قالمحمد بن حمدون بن رستم سمعت مسلم بن الحجاج وجاء إلى البخاري فقال دعنيأقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين وطبيب الحديث في علله.
وقال سعيد بن جعفر: سمعت العلماء بالبصرة يقولون ما في الدنيا مثل محمد بن إسماعيل في المعرفة والصلاح.
من كرم البخاري وسماحته
قال محمد بن أبي حاتم كانت له قطعة أرض يؤجرها كل سنة بسبع مائة درهم فكانذلك المؤجر ربما حمل منها إلى أبي عبد الله قثاة أو قثاتين لأن أبا عبدالله كان معجبا بالقثاء النضيج وكان يؤثره على البطيخ أحيانا فكان يهبللرجل مائة درهم كل سنة لحمله القثاء إليه أحيانا.
قال وسمعتهيقول كنت أستغل كل شهر خمس مائة درهم فأنفقت كل ذلك في طلب العلم فقلت كمبين من ينفق على هذا الوجه وبين من كان خلوا من المال فجمع وكسب بالعلمحتى اجتمع له فقال أبو عبد الله: ما عند الله خير وأبقى (الشورى:36)
وكان يتصدق بالكثير يأخذ بيده صاحب الحاجة من أهل الحديث فيناوله ما بينالعشرين إلى الثلاثين وأقل وأكثر من غير أن يشعر بذلك أحد وكان لا يفارقهكيسه.
ويقول عبد الله بن محمد الصارفي: كنت عند أبي عبد اللهالبخاري في منزله فجاءته جارية وأرادت دخول المنزل فعثرت على محبرة بينيديه فقال لها: كيف تمشين؟ قالت إذا لم يكن طريق كيف أمشي فبسط يديه وقاللها اذهبي فقد أعتقتك. قال فقيل له فيما بعد يا أبا عبد الله أغضبتكالجارية قال إن كانت أغضبتني فإني أرضيت نفسي بما فعلت.
محنة البخاري
تعرضالبخاري للامتحان والابتلاء، وكثيرا ما تعرض العلماء الصادقون للمحنفصبروا على ما أوذوا في سبيل الله، ولقد حسد البعض البخاري لما له منمكانة عند العلماء وطلاب العلم وجماهير المسلمين في كل البلاد الإسلامية،فأثاروا حوله الشائعات بأنه يقول بخلق القرآن، ولذلك قصة يرويها أبو أحمدبن عدي فيقول: ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن إسماعيل البخاري لماورد نيسابور اجتمع الناس عليه فحسده بعض من كان في ذلك الوقت من مشايخنيسابور لما رأوا إقبال الناس إليه واجتماعهم عليه. فقال لأصحاب الحديث:إن محمد بن إسماعيل يقول اللفظ بالقران مخلوق فامتحنوه في المجلس فلما حضرالناس مجلس البخاري قام إليه رجل فقال يا أبا عبد الله ما تقول في اللفظبالقران مخلوق هو أم غير مخلوق فأعرض عنه البخاري ولم يجبه، فقال الرجل ياأبا عبد الله فأعاد عليه القول فأعرض عنه، ثم قال في الثالثة فالتفت إليهالبخاري وقال القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والامتحانبدعة فشغب الرجل وشغب الناس وتفرقوا عنه وقعد البخاري في منزله.
وقالواله بعد ذلك ترجع عن هذا القول حتى نعود إليك قال لا أفعل إلا أن تجيئوابحجة فيما تقولون أقوى من حجتي وأعجبني من محمد بن إسماعيل ثباته، وكانيقول أما أفعال العباد فمخلوقة فقد حدثنا علي بن عبد الله حدثنا مروان بنمعاوية حدثنا أبو مالك عن ربعي عن حذيفة قال: قال النبي صلى الله عليهوسلم: إن الله يصنع كل صانع وصنعته.
وبه قال وسمعت عبيد الله بنسعيد يقول سمعت يحيى بن سعيد يقول ما زلت أسمع أصحابنا يقولون إن أفعالالعباد مخلوقة قال البخاري حركاتهم وأصواتهم واكتسابهم وكتابتهم مخلوقةفأما القرآن المتلو المبين المثبت في المصاحف المسطور المكتوب الموعى فيالقلوب فهو كلام الله ليس بمخلوق قال الله تعالى {بل هو آيات بينات فيصدور الذين أوتوا العلم} (العنكبوت 49).
وقال البخاري: القرآن كلام الله غير مخلوق ومن قال مخلوق فهو كافر.
وقالأيضا: من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمذان وحلوان وبغداد والكوفةوالبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقرآن مخلوق فهو كذاب فإني لم أقلهإلا أني قلت أفعال العباد مخلوقة.
وقال أحمد بن سلمة: دخلت علىالبخاري فقلت يا أبا عبد الله هذا رجل مقبول بخراسان خصوصا في هذه المدينةوقد لج في هذا الحديث حتى لا يقدر أحد منا أن يكلمه فيه فما ترى فقبض علىلحيته ثم قال "وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد" (غافر 44) اللهمإنك تعلم أني لم أرد المقام بنيسابور أشرا ولا بطرا ولا طلبا للرئاسة إنماأبت علي نفسي في الرجوع إلى وطني لغلبة المخالفين وقد قصدني هذا الرجلحسدا لما آتاني الله لا غير ثم قال لي يا أحمد إني خارج غدا لتتخلصوا منحديثه لأجلي، فأخبرت جماعة أصحابنا فو الله ما شيعه غيري كنت معه حين خرجمن البلد وأقام على باب البلد ثلاثة أيام لإصلاح أمره.
وقال محمدبن أبي حاتم أتى رجل عبد الله البخاري فقال يا أبا عبد الله إن فلانايكفرك فقال: " قال النبي صلى الله عليه وسلم:" إذا قال الرجل لأخيه ياكافر فقد باء به أحدهما" وكان كثير من أصحابه يقولون له إن بعض الناس يقعفيك فيقول "إن كيد الشيطان كان ضعيفا" (النساء 76)، ويتلو أيضا "ولا يحيقالمكر السيئ إلا بأهله" (فاطر 43) فقال له عبد المجيد بن إبراهيم كيف لاتدعو الله على هؤلاء الذين يظلمونك ويتناولونك ويبهتونك، فقال: قال النبيصلى الله عليه وسلم "اصبروا حتى تلقوني على الحوض" وقال صلى الله عليهوسلم "من دعا على ظالمه فقد انتصر"
محنته مع أمير بخارى
روى أحمد بن منصور الشيرازي قال سمعت بعض أصحابنا يقول لما قدم أبوعبدالله بخارى نصبت له القباب على فرسخ من البلد واستقبله عامة أهل البلد حتىلم يبق أحد إلا استقبله ونثر عليه الدنانير والدراهم والسكر الكثير فبقيأياما قال فكتب بعد ذلك محمد بن يحيى الذهلي إلى خالد بن أحمد أمير بخارىإن هذا الرجل قد أظهر خلاف السنة فقرأ كتابه على أهل بخارى فقالوا لانفارقه فأمره الأمير بالخروج من البلد فخرج.
قال أحمد بن منصورفحكى لي بعض أصحابنا عن إبراهيم بن معقل النسفي قال رأيت محمد بن إسماعيلفي اليوم الذي أخرج فيه من بخارى فتقدمت إليه فقلت يا أبا عبد الله كيفترى هذا اليوم من اليوم الذي نثر عليك فيه ما نثر فقال لا أبالي إذا سلمديني.
وروي عن بكر بن منير بن خليد بن عسكر أنه قال: بعث الأميرخالد ابن أحمد الذهلي والي بخارى إلى محمد بن إسماعيل أن احمل إلي كتابالجامع و التاريخ وغيرهما لأسمع منك فقال لرسوله أنا لا أذل العلم ولاأحمله إلى أبواب الناس فإن كانت لك إلى شيء منه حاجة فاحضر في مسجدي أو فيداري وإن لم يعجبك هذا فإنك سلطان فامنعني من المجلس ليكون لي عذر عندالله يوم القيامة لأني لا أكتم العلم لقول النبي صلى الله عليه وسلم "منسئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار" فكان سبب الوحشة بينهما هذا.
وفاة البخاري
توفي البخاري ـ رحمه الله ـ ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين وقد بلغ اثنتين وستين سنة، وروي في قصة وفاته عدة روايات منها:
قال محمد بن أبي حاتم سمعت أبا منصور غالب بن جبريل وهو الذي نزل عليه أبوعبد الله يقول: إنه أقام عندنا أياما فمرض واشتد به المرض، فلما وافى تهيأللركوب فلبس خفيه وتعمم فلما مشى قدر عشرين خطوة أو نحوها وأنا آخذ بعضدهورجل آخذ معي يقوده إلى الدابة ليركبها فقال رحمه الله أرسلوني فقد ضعفتفدعا بدعوات ثم اضطجع فقضى رحمه الله فسال منه العرق شيء لا يوصف فما سكنمنه العرق إلى أن أدرجناه في ثيابه وكان فيما قال لنا وأوصى إلينا أنكفنوني في ثلاثة أثواب بيض ليس فيها قميص ولا عمامة ففعلنا ذلك فلما دفناهفاح من تراب قبره رائحة غالية أطيب من المسك فدام ذلك أياما ثم علت سواريبيض في السماء مستطيلة بحذاء قبره فجعل الناس يختلفون ويتعجبون وأماالتراب فإنهم كانوا يرفعون عن القبر حتى ظهر القبر ولم نكن نقدر على حفظالقبر بالحراس وغلبنا على أنفسنا فنصبنا على القبر خشبا مشبكا لم يكن أحديقدر على الوصول إلى القبر فكانوا يرفعون ما حول القبر من التراب ولميكونوا يخلصون إلى القبر وأما ريح الطيب فإنه تداوم أياما كثيرة حتى تحدثأهل البلدة وتعجبوا من ذلك وظهر عند مخالفيه أمره بعد وفاته وخرج بعضمخالفيه إلى قبره وأظهروا التوبة والندامة مما كانوا شرعوا فيه من مذمومالمذهب قال محمد بن أبي حاتم ولم يعش أبو منصور غالب بن جبريل بعده إلاالقليل وأوصى أن يدفن إلى جنبه.
وقال محمد بن محمد بن مكيالجرجاني سمعت عبد الواحد بن آدم الطواويسي يقول رأيت النبي صلى الله عليهوسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع فسلمت عليه فرد عليالسلام فقلت ما وقوفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاريفلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرت فإذا قد مات في الساعة التي رأيتالنبي صلى الله عليه وسلم فيها.
رحم الله الإمام البخاري رحمة واسعة وجزاه الله خيرا عن الإسلام والمسلمين وعن حديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم ). ـــــــــــــ
يا قارىء خطى لا تبكى على موتى .. فاليوم أنا معك وغدا فى التراب فإن عشت فإنى معك وإن مت فتبقى للذكرى .. ويا مارا على قبرى لا تعجب من أمرى .. بالأمس كنت معك وغدا أنت معى .. أموت ويبقى كل ما كتبته ذكرى .. فيا ليت كل من قرأ خطى دعا لى