لكن ورد في مواضع أخرى مقروناً بمعاني العلو، والعلو كما تقدم في دروس سابقة يزيد الإطلاق كمالاً على كمال، كما ورد في قوله تعالى:
﴿ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ﴾
( سورة الأنعام )
هنا اقترن الاسم بالعلو، والعلو يزيد المطلق كمالاً.
وعند البخاري من حديث ابن عباس أنه قال:
(( حسبنا الله ونعم الوكيل ))
قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد عليه الصلاة والسلام حين قالوا:
﴿ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾
( سورة آل عمران )
والله أيها الأخوة والناس في هذه الأيام قد جمعوا ليقفوا وقفة واحدة ضد المسلمين، وكأن حرباً عالمية ثالثة معلنة على هذا الدين.
وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(( كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن، وحنى جبهته، وأصغى السمع متى يؤمر ؟ قال: فسمع بذلك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فشق عليهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل ))
[ الترمذي عن أبي سعيد الخدري]
بعثة النبي عليه الصلاة والسلام أحد أشراط الساعة:
أيها الأخوة، يقول عليه الصلاة والسلام:
((بعثت والساعة كهاتين ))
[ البخاري عن سهل بن سعد]
فبعثة النبي عليه الصلاة والسلام أحد أشراط الساعة، وفي الآثار النبوية أحاديث كثيرة عن أشراط الساعة، من هذه الأحاديث:
(( موت كقعاص الغنم ))
[ الجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح ]
(( لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
ألف الناس أن يستمعوا كل يوم إلى مئات القتلى، ومئات الجرحى وكأنه خبر عادي.
(( موت كقعاص الغنم ))
[ الجامع الصغير عن معاذ بسند صحيح ]
(( لاَ يَدْرِى الْقَاتِلُ فِيمَ قَتَلَ وَلاَ الْمَقْتُولُ فِيمَ قُتِلَ ))
[ مسلم عن أبي هريرة]
يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه، وإن سكت استباحوه.
(( تمتلئ الأرض ظلماً وعدواناً حتى يأتي أخي عيسى فيملؤها قسطاً وعدلاً ))
[ ابن ماجه عن عبد الله بلفظ قريب منه ]
(( كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر ؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال: نعم، وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف ؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن ؟ قال: نعم، وأَشدُّ، كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً ))
[ أخرجه زيادات رزين عن علي بن أبي طالب ]
نحن في زمن تبدلت القيم، نحن في زمن طمست الفطرة.
من هان أمر الله عليه هان على الله:
شيء آخر:
(( يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم ))
[أخرجه أبو داود عن ثوبان ]
الآن كل حر في دولة.
(( يوشكُ الأُمَمُ أنْ تَدَاعَى عليكم كما تَدَاعَى الأَكَلةُ إلى قَصْعَتِها، فقال قائل: من قِلَّة نحن يومئذ ؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ))
[أخرجه أبو داود عن ثوبان ]
أي مليار وخمسمئة مليون لا وزن لهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، ليست كلمتهم هي العليا، أمرهم ليس بيدهم.
(( بل أنتم يومئذ كثير، ولكنَّكم غُثاء كَغُثَاءِ السَّيْلِ ))
قش يطفو على سطح السيل، هل يؤثر باتجاهه ؟ هل يؤثر في مساره ؟.
(( وليقذفنَّ في قُلُوبكم الوَهْنَ، قيل: وما الوْهنُ يا رسول الله ؟ قال: حُبُّ الدُّنيا وكراهيَةُ الموتِ ))
[أخرجه أبو داود عن ثوبان ]
كان الواحد بمليون، بألف، الآن الألف أو المليون بأف.
مخلصُ الملخص: هان أمر الله على المسلمين فهانوا على الله.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر علة خيرية هذه الأمة:
أيها الأخوة، حينما قال الله عز وجل:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 110 )
هذه الخيرية لها علة:
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
( سورة آل عمران الآية: 110 )
لماذا أهلك الله بني إسرائيل ؟ قال:
﴿ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ﴾
( سورة المائدة الآية: 79 )
علة الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم نأمر بالمعروف ولم ننهَ عن المنكر فقدنا علة الخيرية، إذاً نحن الآن أمة كأية أمة خلقها الله.
﴿ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً ﴾
( سورة الكهف )
هذه الحقائق مؤلمة، لكنها ضرورية، لأن الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح.
الوكيل في اللغة:
1 ـ الوكيل هو القيم و المشرف:
"الوكيل" في اللغة: هو القيم، المشرف، الكفيل، الذي تكفل بأرزاق العباد ، حقيقة الوكيل أنه يستقل بأمر الموكل إليه، وكيل كامل.
الآن هناك وكالة عامة، يمكن للوكيل العلم أن يطلق الزوجة، وكالة عامة، توكل بالأمر أي ضمن القيام به، وكلت أمري إلى فلان ألجأته إليه، واعتمدت فيه عليه، وكّل فلان فلاناً أي استكفاه أمره، إما ثقة بكفايته، أو عجزاً عن القيام بأمر نفسه، وكيلك في كذا أي سلمته الأمر، وتركته له، وفوضته إليه، واكتفيت به، فالتوكل قد يأتي بمعنى تولي الإشراف على الشيء ومراقبته، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( من توكل لي ما بين لحييه وما بين رجليه توكلت له بالجنة ))
[ أخرجه الحاكم عن سهل بن سعد ]
حديث دقيق يدل على أن معظم معاصي الناس من كلامهم.
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
[ الترمذي عن أبي هريرة]
و:
(( من توكل لي ما بين رجليه ـ شهوة الجنس ـ وما بين لحييه ـ فكيه ـ توكلت له بالجنة ))
[ البخاري عن سهل بن سعد الساعدي]
من ضبط شهوته و لسانه توكل الله له بالجنة:
من ضبط شهوته:
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
لكن لا يوجد في الإسلام حرمان:
﴿ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾
( سورة المؤمنون )
إذاً: من ضبط شهوته ومن ضبط لسانه، توكل الله له بالجنة.
الإمام الغزالي عدّد أكثر من عشرين أو ثلاثين معصية يقوم بها اللسان، غيبة، نميمة، بهتان، إفك، سخرية، فمعاصي اللسان لا تعد ولا تحصى.
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
[أخرجه الإمام أحمد عن أنس بن مالك ]
مرة ثانية:
(( إن الرجل ليتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً ))
[ الترمذي عن أبي هريرة]
2 ـ الاعتماد على الغير و الركون إليه:
التوكل يأتي أيضاً بمعنى الاعتماد على الغير، والركون إليه، كما في قوله تعالى:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾
( سورة الطلاق الآية: 3 )
من توكل على الله فهو أقوى الأقوياء:
لكن أيها الأخوة، لا بدّ من التنويه إلى أن التوكل محله القلب، أما الأعضاء ينبغي أن تسعى.
(( إِن الله يَلُومُ على العَجْز ))
[ أخرجه أبو داود عن عوف بن مالك ]
بعض المسلمين انتهينا، ما بيدنا شيء، الله يتوكل بهم، هذا اليأس ، والسوداوية، والانسحاب من المجتمع، والتشاؤم ليس من صفات المؤمن، الكرة في ملعبنا.
﴿ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ ﴾
( سورة الأنفال الآية: 19 )
والله عز وجل بيده كل شيء.
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾
( سورة هود الآية: 123 )
لذلك:
﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾
أنت إذا توكلت على الله أنت أقوى الأقوياء، إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟
القصص في القرآن الكريم شواهد مذهلة على عظمة الخالق سبحانه:
هناك شواهد مذهلة في القرآن الكريم، مثلاً: إنسان فجأة وجد نفسه في بطن حوت، الأمل صفر، الحوت وجبته المعتدلة بين الوجبتين أربعة طن، معناها لقمة واحدة، في ظلمة بطن الحوت، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة البحر.
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
فالله عز وجل قلب القصة إلى قانون:
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
في أي زمان، في أي مكان، في أي ظرف، طاغية كبير " فرعون "، قوي جداً، معه أسلحة فتاكة، حاقد، متغطرس، وراء شرذمة قليلة على رأسهم سيدنا موسى، هو خلفهم، والبحر أمامهم، هل هناك أمل ؟ الأمل صفر.
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
أخواننا الكرام، اليأس يعني كفر بالله.
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
لكن بشرط ألا يهون أمر الله علينا، من هان أمر الله عليه هان على الله.
3 ـ الكفيل:
أيها الأخوة، ربما تفسر كلمة "الوكيل" بالكفيل، هذا معنى إضافي، لكن "الوكيل" أعم من الكفيل، فكل وكيل كفيل، لكن ما كل كفيل بوكيل.
و قد ورد عن عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
(( لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً ))
[ الترمذي عن عمر بن الخطاب]\
التوكل الحقيقي أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيءثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء
التوكل الحقيقي صدقوا أيها الأخوة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، أنت مسافر سفراً طويلاً بمركبتك، ما هو التوكل ؟ أن تراجع هذه المركبة جزءاً جزءاً، المحرك، الزيت، المكابح، أن تراجع كل شيء، وأن تكون جاهزة في أعلى جاهزية، وبعد ذلك من أعماق أعماق قلبك: يا رب أنت المسلم، وأنت الحافظ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء، هذه بطولة، من السهل أن تأخذ بالأسباب وتعتمد عليها وتنسى الله، أو أن تؤله الأسباب كما يفعل الغرب، ومن السهل أيضاً ألا تأخذ بها، تواكل، يا رب لا يوجد غيرك.
المسلمون الآن لضعف فهمهم العميق لحقيقة الدين ينتظرون معجزة من الله تقضي على أعدائهم، أعداؤهم يزدادون قوة، هذه سذاجة، أفق ضيق، الله قال:
﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ ﴾منقول