في الظروف الصعبة وفي أوان التحديات الكبرى تبرز الحاجة الماسّة إلى الأرواح الشجاعة التي تتمرد على المعطيات القاسية وتحتال من أجل العثور على فرصة للوثوب.
كثير من شبابنا بات يفرح بالكلمة المتفائلة والوجه الضحوك لأن هناك من يرسل إليه في الليل والنهار الرسائل المشحونة باليأس والقنوط وضرورة الإيمان بأننا على شفا الهاوية....
أما أصحاب الأرواح الشجاعة فلهم فلسفتهم الخاصة ولهم حكمتهم الأثيرة, ولهذا فإنهم يُقدمون حين يُحجم الناس ويبصرون النور في آخر النفق حيث يشكو الناس الظلام, وأنا هنا لا أستطيع عرض جميع مرتكزات تلك الفلسفة ولا كل أدبياتها, وإنما أشير إلى شي منها عبر المفردات التالية :
1- خلق الله الإنسان ومنحه الإرادة والقدرة على المخاطرة و وهبه من الصفات ما يجعل كل واحد من بنيه عبارة عن مخطوطة فريدة, ولهذا فإن ما يعجز فلاناً ويزعجه قد لا يزعجني, وقد يزعجني أقل, وقد أتخذ منه فرصة للخلاص من علاقة مملة أو فرصة لإصلاح عطب قديم .
وإذا عممنا هذه الرؤية أمكن القول : إن ما يجعل فلاناً يتشاءم أو يخاف أو ينسحب أو يخسر... لا يكون سبباً في ذلك لدى كل الناس, وبهذا يجد صاحب الروح الشجاعة ما يكسر تناسق منطق الجبناء واليائسين ومحدودي الأفق والرؤية؛ وما أجمل قول القائل: أحكم الناس في الحياة أناس عللوها فأحسنوا التعليلا.
2- حين يأتي إليك من يحدثك عن الفضائح والانحرافات وعن العقبات والصعوبات وعن الانكسارات والتراجعات.... فاعلم أنه يحدثك عن شيئين: شيء رآه بعينه- وهو قليل جدا- وسمع عنه وشيء هو من تحليله الشخصي وإخراجه ومن طريقة رؤيته للعالم .
ومما يذكر في هذا السياق أن شاباً من إحدى القرى القريبة من ( أثينا) جاء إلى أفلاطون ليتتلمذ عليه, فسأله أفلاطون عن أهل قريته, فقال: تركت خلفي أناساً جيدين وصالحين وأهل مروءة وخير... فقال أفلاطون: أهل أثينا كذلك. وبعد سنوات جاء من القرية نفسها شاب آخر, فسأله أفلاطون السؤال نفسه, فقال الشاب إنهم أشرار لؤماء و أهل مشكلات كثيرة... فقال أفلاطون أهل أثينا كذلك !.
ثم إن ما يحدثك عنه هو جزء من الحقيقة, أما الجزء الثاني فيكمن في الكثير من الأعمال الخفية التقية والعظيمة التي ينجزها رجال ونساء من كل الأعمار.
3- دائماً هناك فرصة سانحة لعمل شيء, أفضل, وإدخال شي من التحسين على أسلوب حياتنا وعلى عباداتنا وعلاقاتنا وأعمالنا, إذ إنه مهما ساءت الأمور, أو بلغنا من الكمال, فإن هناك طاقات لم تُحرّر وإمكانات لم تُستثمر وأوقات لم تُستغل وأفكار لم تُوظّف بعد ....
4- اسعد بنجاحات الآخرين كما تسعد بنجاحاتك فرحابة الروح وكرم النفس مصدر لمسرّات كثيرة.
5- إذا لم تجد الفرصة لمجالسة العظماء والوجهاء, فلديك فرصة مستمرة لمناجاة الكريم الرحيم الملك العزيز، وهو سبحانه جليس من ذكره. وإذا أردت مشروعاً مضمون العوائد المرتفعة فعليك بالبر والصدقة وبذل المعروف .
مقال للدكتور : عبدالكريم بكار