مستقبل البيئة في خطر!!
الدكتور زيد بن محمد الرماني
يبدو أن النظرة نحو الموارد الطبيعية قد أخذت تتغير منذ أن ظهر التقرير الخاص بهذه الموارد وهو (حدود النمو The limits to growth) فقد كان الاقتصاديون يديرون شؤون العالم المادية دون اعتبار لاحتمال استنزاف هذه الموارد أو للتأثيرات البيئية أما الآن فإنهم صاروا ميالين إلى النظر فيما يقوله علماء طبقات الأرض أو علماء البيئة أو خبراء الصحة وغيرهم. ويحاولون إدخال هذه الآراء في صلب الخطط التي يضعونها.
لكن التغير ومداه مرتبطان بعوامل تعتمد على طبيعة الموارد الطبيعية، وعلى السلوك البشري، أي أنهما متعلقان بحاجات الناس التي تنبع من ماهية المورد الطبيعي ومن أعداد الناس المستفيدين منه لذلك كثيرًا ما يكون التصرف الذي يصدر عنهم مبنيًا على أساس ما هو أكثر أهمية في زمن معين، أهي البيئة التي يعيش الناس فيها، أم الناس أنفسهم.
يقول عادل أحمد جرار في كتابه (البيئة والموارد الطبيعية): ومن المبادئ التي يهتدي بها الاقتصاديون ويرونها مؤثرة أحيانًا لدفع الناس إلى الحد من الإسراف في مورد معين، أن ترفع كلفته، فارتفاع التكاليف حافز للاقتصاد في استخدام المورد كذلك فإن توفير خيارات أخرى عامل آخر يؤدي إلى النتيجة ذاتها.
وهناك شيء من الصعوبة يرافق البحث في الموارد الطبيعية والبيئة معاً، ويتمثل في الوصول إلى تحديد ما هو مورد طبيعي وما هو جزء من البيئة فهل تعد الغابة مثلًا موردًا طبيعياً، أم هي جزء من البيئة؟ وهنا نجد أننا كثيرًا ما نصنف الغابة في الجانبين ومثل ذلك أيضًا الجو أو الحقول الزراعية.
والموارد الطبيعية نوعان: الموارد المتجددة والموارد غير المتجددة، وهناك حالات من الموارد التي لا يسهل أن تنسب إلى هذا النوع أو ذاك ومثال ذلك الماء الجوفي، فهو قد يتجدد على نحو بطيء، وقد يستفيد بسبب الإسراف، وكذلك الغابات، فمع أنها تتجدد إلا أن ذلك قد يستغرق وقتًا طويلًا ويصبح مثل هذه الموارد من الناحية العملية غير متجددة.
وفيما يتعلق بالموارد الطبيعية غير المتجددة ينبغي على من يستغلها أن يوازن بين ما يجنيه من ربح مما يأخذ منها حالياً، وما يطرأ من زيادة على تكاليف الإنتاج كلما أصبح المورد أكثر فقراً.
وباختصار، فإن استغلال أي مورد غير متجدد ينبغي أن يأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، وأن يوازن بين المنافع الآنية والتكاليف المؤجلة.
ولا ريب في أن أفضل وسيلة للمحافظة على مستوى جيد من أي نوع مفيد للإنسان هو التأكد من انضباط العوامل البيئية التي تتحكم في حياة هذا النوع على نحو قوي، وهذا يعني أن تبقى بيئته الطبيعية ثابتة لا تتعرض لاضطرابات تفسدها.
ومع أن الاعتماد على وضع حدود الاستغلال الموارد المتجددة ليس كافيًا للوصول إلى وضع مناسب حتى لو كانت هذه الحدود تحترم، ولا يجري تجاوزها إلا أن ترك الأمور دون ضوابط وحدود قد ينتج عنه أن يفرط الناس في استغلال مورد معين فهبط إلى حدود يعجز فيها التوالد الطبيعي عن التعويض عما يفقد.
وربما كان من أبرز الأمثلة المنذرة بالأخطار الإفراط في استغلال الغابات في البلاد النامية وقد اعتاد ناس هذه البلاد على عدم وجود قيود تحول بينهم وبين الغابات، وأخذوا يقطعون الأشجار ويحرقون بقاياها لإخلاء الموقع وإعداده للزراعة وزاد هذا الأمر تفاقمًا بسبب الزيادات الهائلة في أعداد السكان، وصار الدمار الذي يحيق بهذا المورد أشد من إمكانية تحمله.
لقد اتضح أن المشكلات البيئية تبرز من ثنايا المشكلات المتعلقة بالموارد الطبيعية، وليس في هذا غرابة، لأن البيئة مجموعة من الموارد، منها مثلًا الهواء الذي يفوق في أهميته كثيرًا من الموارد الطبيعية وربما كان من المفيد أن تقرن المشكلة بالموارد الطبيعية حين يكون الحديث عن الكمية، وأن نصفها بالمشكلة البيئة حين نقصد الحديث عن النوعية.
وهكذا فإن المشكلات البيئية مرتبطة بسلامة ما يحيط بنا في البر والبحر والجو وقد يختلط في هذا ما هو فطري، وما كان للإنسان يدٌ في تهيئته، وفي معالجة المشكلات البيئية ينبغي أولًا تحديد الأهداف المتوخاة، فليس من السهل تقويم المنافع المصاحبة لإجراءات حماية البيئة بالمال، ولذلك فإن الموازنة بين المنافع والتكاليف تظل غير مقنعة لمن يقيسون كل شيء بقيمته النقدية.
إن المشكلات البيئية في الدول النامية أشد حدة وأكثر خطورة منها في الدول الصناعية فما زال الماء ناقلًا للعدوى في كثير من الأمراض ويحول الفقر دون الأمل في الوصول إلى تطبيق المعايير البيئية، لكنه ينبغي أن لا يكون حائلًا دون تنظيف مصادر المياه من جراثيم الأمراض أو حماية التربة من التعرية.
م/ن