وأخطرها التعلق بغير الله .. كالتعلُق الشديد بين الرجل والمرأة حتى لو كانت زوجته،
إن كان سيؤدي هذا التعلُق إلى التفريط في حقوق الله عزَّ وجلَّ .. ناهيك عن العشق المُحرَّم والتعلُق بالمناصب العالية ..
أو أن يكون شديد الحرص على رضا أبناءه، وذلك على حساب واجباته تجاه الله تعالى، فتجده لا يؤدي زكاة
ماله حرصًا على تلبية رغباتهم.. أو الحرص على ثناء الناس حوله، مما يوقعه في الشرك الأصغر وهو الريــــاء ..
وكل هذا تعلُق مذموم؛ لأنه يقطع على العبد أبواب الطاعة.
[size=29]
وأنواع التوحيــــد ثلاثة، هي:
توحيد الربوبية
وتوحيد الأولوهية
وتوحيد الأسماء والصفات ..
أ) توحيد الربوبية:أن يتيقن العبد ويُقِرَّ أن الله وحده هو الخالق الرازق مُدبِّر الكون كله ومالكه المحيي المميت ..
فتوقن أنه لا يُدبِّر أمرك أحدًا سواه .. فلابد أن تفوض أمرك إلى ربِّك في كل الأمور وتوقن إنه وحده الذي يرزقك سبحانه ..
وعندما يبتليك، لابد أن تتلقى هذا البلاء بالرضـــا والصبر .. فلا كاشف للضُر إلا الله سبحـــانه وتعالى.
ب) وتوحيد الألوهية:ألا يُشرك أحدًا في عبادة الله سبحانه وتعالى، والعبودية هي: الحب التــــام والذل التــــام لله عزَّ وجلَّ ..
فلا تخضع ولا تذِل لأحدٍ غير الله تعالى .. ويكون حبك لله عزَّ وجلَّ أعظم من حبك لأي شيءٍ سواه،،
جـ) توحيـــد الأسماء والصفات:أنه سبحانه متصف بصفات الكمال ومنزه عن كل نقص.
فتُعطي الحق لكل اسم من أسماء الله تعالى وصفاته في حيـــــاتك ..
فأثناء سعيَّك للرزق، توقن أن الله عزَّ وجلَّ هو المُقيت ..
وتجعل لكل اسم حظًا في سائر حياتك .. فهو سبحـــانه الودود، المُجيــب، القريب ..
2) الإعتصام بالكتاب والسنة ..
أن يتمسك ويعتصم بالكتاب والسُنة، فمدار السعادة في الدنيا والآخرة عليهما .. قال الله تعالى
{وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ..}[آل عمران: 103]..
وحبل الله عزَّ وجلَّ هو الكتاب والسنة ..
وقال تعالى {.. فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ..}[النساء: 59] ..
فعند الاختلاف، لابد أن نرد الأمر إلى الكتاب والسنة حتى ولو كان يخالف هواك ورأيك.
3) الإيمان بالقضاء والقدر .. يقول الله جلَّ وعلا{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي
السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى
اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحج: 70]..
عن ابن عباس قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، فقال"يا
غلام احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فاسأل الله
وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء
لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء
لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف"[رواه
أحمد والترمذي وصححه الألباني] ..
والإيمان بالقضاء و القدر لا يتم على وجهه الأكمل، إلا إذا حقق
الإنسان الإيمان بالخمسة أمور التي قبلها: الإيمان بالله وملائكته
وكتبه ورسله واليوم الآخر ثمَّ الإيمان بالقدر خيره وشره.
ومن يرضى بقضاء الله يعيش في جو هادئ مما يدخله في جنة الرضا ..وأخطر ما
يُهدد إيمان العبد، هو التسخُّط على قدر الله .. لإنه لن يرضى بشرع الله
حينها، مما يوقعه في الذنوب.
عن أبي حفصة قال: قال عبادة بن الصامت لابنه: يا بني إنك لن تجد طعم
حقيقة الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن
ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول"إن أول ما خلق الله
القلم فقال له اكتب قال رب وماذا أكتب قال اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم
الساعة"، يا بني إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "من مات على
غير هذا فليس مني"[رواه أبو داوود وصححه الألباني]
كما إن من ثمرات الإيمان بالقضاء والقدر .. سلامة الصدر من الحقد
والحسد، ويغرس في القلب نوعًا من الشجاعة، ويُخفف من الجزع عند
المصيبة، ويدفع المرء لبذل الجهد في العمل ويطرد عنه اليأس.
4) الإيمان باليـــوم الآخر ..
فمن آفــات النفوس أنها ملول تميل إلى إتبــاع الهوى، مما يجعلها
تعيش حياة الفوضى والعبثية .. ويخاطب الله عزَّ وجلَّ هؤلاء العبثيون،
فيقول تعالي {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ
إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115] .. فذكَّرهم الله تعالى باليوم
الآخر ..
فمن أعظم ما يزجر النفس عن المعاصي .. هو استحضار مشاهد
الآخرة بداية من الموت وعذاب القبر ثمَّ الحساب والمآل إما إلى الجنة
أو النار .. فتذكُّر الموت يُفيق العبد من غفلته وإنغماسه في شهوات
الدنيا.
لذا عندما تجد نفسك غارقًا في الغفلة .. عليك أن تستمع إلى المواعظ،
وتقوم بزيارة قبر أو تغسيل ميت .. كي يتحرَّك قلبك ويحجزك عن المعاصي،
مما يقوى الوازع الديني في قلبك ويبعثك على المسارعة في الطاعة والعمل
الصالح .. وكل شيء يهون حينها في سبيل الله.
ثانيًا: الأساس العلمي .. اعلم أن العلم النافع هو كل علمٍ يُقربَّك
إلى الله تعالى ويزيدُ خشيتك له ويدفعك إلى العمل الصالح .. أما إذا لم
تجد هذا الأثر في العلم الذي تتعلمه، فاعلم أن هناك خلل وأن هذا العلم
غير نافع لك في الوقت الحالي.
والعلم يكون نافعًا بما يلي:
1) أن تعرف عقيدتك .. بحيث تكون عقيدةٌ صحيحة، تُرَّسِخ الإيمان في قلبك وتُهذِّب نفسك.
2) أن تتعلم أحكام الحلال والحرام (الفقه).
3) أن يثمر الخشية من الله.
فهذا العلم يزجره عن فعل المعاصي والذنوب، مما يؤدي إلى تزكية نفسه،،
ثالثًا: العبــادات العمليـــة .. وهي أهم طرق تزكيــــة النفس ..
1) الصـــلاة .. عن طريق تحقيق ثمرتها، وهي الخشوع والخضوع.
2) الزكــــاة ..فهي تُطهِّر النفس من آفة الشح، وتُجسِّد معنى من معاني شكر النعمة.
3) الصيــــــام ..لتقوية الإرادة والصبر، وفيه مجاهدة للنفس.
4) الحــــج .. فهو تدريب عملي على الإمتثال لأوامر الله عزَّ وجلَّ، وجهاد للنفس وتدريبها على تحمُّل المشــاق.
5) النوافل .. سواءًا كانت نوافل الصلاة والصيام والصدقات وتلاوة
القرآن والعمرة وغيرها، فالإكثار من هذه الأعمال يقوَّيك ويجعلك في
معيَّة الله عزَّ وجلَّ .. يقول تعالي في الحديث القدسي ".. وما
يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي
يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن
سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه .." [صحيح البخاري]
6) المحاسبــة والتوبـــة ..فقد أقسَّم الله عزَّ وجلَّ بالنفس اللوَّامة، في قوله تعالى
{وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ}[القيامة: 2] ..
وهذا من خلال المحاسبة والمشارطة والمراقبة والمعاقبة والمعاتبة للنفس ..
ذكر الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال "حاسبوا
أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في
الحساب غدا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون
لا تخفى منكم خافية" .. وقال الحسن "إن العبد لا يزال بخير ما كان له
واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته"
من الأمور التي تُعين على محاسبة النفس:
أ) استشعار أن الله يراك وتذكُّر الحساب ويوم القيامة.
ب) مطالعة سير الصحابة والسلف الصالح.
فينبغي أن تحاسب نفسك ..على المعاصي الظاهرة والباطنة، والنيـــات،
وتفويت الطاعـــات، والنِعَم .. ويُستحب أن يكون ذلك قبل النوم، لكي
تُحاسب نفسك على أعمال اليوم والليلة فتعلم إن كنت رابحًا أم خاسرًا.
وتتحقق التوبة من خلال ..الندم والإقلاع عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه في المستقبل.
والصحبـــة الصالحــة من أهم ما يُعينك في الطريق إلى تزكيـــة نفسك.
كانت هذه هي الأسس التي تقوم عليها التزكية .. ومنها سنشرع إن شاء
الله تعالى في استخلاص العلاج لكل آفة من الآفات المُهلكة للنفس، التي
لا يمكن علاجها إلا بالتطبيق العملي.
اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها،،
( منقول من درس مقدمة التزكية للشيخ هانى حلمى )