يفرح الأطفال خلال شهر رمضان الذي تكثر فيه الدعوات بين الأقارب والأصحاب وتفرش فيه الموائد بما ما لذّ وطاب. والأطفال الصغار دون السبع سنوات يتمنون الصيام ليجلسوا إلى مائدة الإفطار وينتظرون المدفع بفارغ الصبر لالتهام الطيّبات التي حضّرتها الماما.
ولكن شهر رمضان ليس شهر الصيام عن الطعام والشراب فقط، فكيف يمكن الأهل شرح معنى هذا الشهر الفضيل لطفلهم الصغير؟ وكيف يمكنهم تعويده على الصوم؟
لها التقت اختصاصية علم النفس التربوي في بيروت عبلة البساط التي أجابت عن الأسئلة المتعلّقة بهذا الموضوع.
- كيف يمكن الأهل تعويد أطفالهم الصيام؟
عمومًا الطفل معتاد على مفهوم الصيام ومشهد رمضان وطقوسه في المنزل، أي حين يرى أهله يصومون خلال هذا الشهر ويسمع مدحهم لهذا الشهر وأهميته، تتكوّن لديه لديه رغبة في الصيام مثلهم وفي سن مبكرة.
ولكن المشكلة عندما يقول له الأهل أنت لا تزال صغيرًا و ليس لديك قدرة على الصيام، مما يحبطه. فهو بمجرد أن يرى أهله يصومون يشعر بالحماسة ويحب أن يقلدهم ويصوم مثلهم. لذا أتمنى على الأهل ألا يقولوا لأطفالهم أنت لا تستطيع حتى لو كان صحيحًا، بل الاستعاضة عن هذه العبارة بـ يمكنك الصيام ولكن ليس طوال النهار لأن سنّك لا تسمح.
في بدايات الصيام وفي سن السابعة يمكن أن تسمح الأم لطفلها بالصيام 3 ساعات في اليوم. وأنا أفضّل أن تكون في آخر النهار أي الساعات الثلاث الأخيرة قبل الإفطار، فالجلوس إلى مائدة الإفطار فيه سعادة ومعنى جميل.
أما الصوم في ساعات النهار الأولى لا يشعره برهجة رمضان، والأفضل أن يتناول فطوره وغداءه، وعند الساعة الرابعة والنصف مثلا أقول له صار في إمكانك الصوم حتى ساعة الإفطار لنفرح معًا. طبعًا في السابعة يمكن أن تكون 4 ساعات صيام ونزيد كل سنة ساعة بحسب قدرة الطفل، وهذا يعود إلى رغبته وقدرته الجسدية.
ويترافق ذلك مع عبارات المدح وشرح معنى الصيام، أي أننا نصوم لله ونطيعه وهو يرضى عنا. شرط أن يكون السحور ملازمًا للصوم.
- ولكن بعض أطباء الأطفال واختصاصيي التغذية يرون أن الصيام حتى الثانية عشرة يؤثر سلبًا في نمو الطفل. لذا بعض أهل لا يسمحون لأطفالهم بالصوم إذا لاحظوا عليهم التعب؟
الملاحظة شيء، والتأكد من الأثر السلبي على صحة الطفل شيء آخر. إذا تناول الطفل إفطارًا مغذيًا جيدًا وتناول سحوره، فإنه يكون قد تناول الوجبات الغذائية نفسها التي اعتاد تناولها خلال الأيام العادية، ولن يشعر بالتعب والجوع وبالتالي لن يتأثر نموّه.
ولكن إذا كانت لديه فعلاً مشكلة صحية ويصر على الصوم، يمكن أن نسمح له بالصوم مدة ساعة قبل الإفطار وهكذا نشعره بفرح الصوم ومشاركة بقية أفراد العائلة. صوموا تصحوا.
- كيف يمكن أن يشرح الأهل المعنى الحقيقي للصيام؟
قبل أن يشرح الأهل معنى الصيام عليهم أن يكونوا النموذج السليم للصيام، فكثيرًا ما نسمع عبارة حلّ عني أنا صائم أي يبررون غضبهم السريع وعصبيتهم بأنهم صائمون، وهذا خطأ لأن هذه العبارة تعطي الطفل انطباعًا سيئًا عن معنى الصوم. لذا على الراشدين أن يقتنعوا بأن الصيام لله ويحاولوا قدر المستطاع ألا يتفوّهوا بهذه العبارات. فنحن نصوم طاعة لله سمعنا وأطعنا هكذا ذُكر في القرآن.
لذا عندما يشرح الأهل لطفلهم أن الصوم يعلّم الصبر وقوة الإرادة والشعور مع الآخرين لاسيما الفقراء الذين لا يجدون ما يأكلونه، وأن كل طاعات الله لها مكافأة محدودة ما عدا الصيام فليس له حدود إلا الصيام فهو لي وأنا أجزي به ومكافأته كبيرة جدًا.
عليهم الإلتزام بما يقولونه، وأن تكون أفعالهم تطبيقًا لأقوالهم، كي لا يشعر الطفل بالتشوّش، ويفكر في نفسه كيف يقولون لي أن الصوم يعلّم الصبر، وهم سريعو الغضب لأنهم صائمون؟! الصيام ليس عن الطعام والشراب فحسب بل هو التحكم في الغرائز الابتعاد عن العصبية والكذب والصراخ أو الشتم. هذا ما يحتاج الطفل إلى فهمه علمًا أن هذا لا يجوز أن يكون مقتصرًا على شهر رمضان فقط. رب العالمين يدعونا إلى الصوم بكل جوارحنا.
- ولكن الطفل يرى أن مائدة الإفطار فيها الكثير من السخاء، ويسأل كيف نشعر مع الآخرين وأهلي يرمون الطعام؟ فأين معنى الصيام والشعور بالفقراء؟
أنا ضد الإسراف في المائدة، أما إذا كانت سيدة المنزل متأكدة من أنها لن ترمي الطعام فصحتين على قلوب الصائمين. هذا الشرط الوحيد، أي عندما يوزع الطعام ونعطي الفائض للمحتاجين.
- ماذا عن الجلوس إلى مائدة الإفطار؟
أتمنى أن يكون الأهل قد علّموا أطفالهم طاعات الله أي البسملة والحمدلله عند البدء بتناول الوجبة سواء في رمضان أو غيره من أيام العام. ولكن من الجميل أن يتلى دعاء الإفطار والكل يسمع.
- ماذا عن زينة رمضان؟ فهناك من يرى أنها تفقد معنى الشهر الديني.
الزينة جميلة وأتمنى أن يحضر الأهل زينة لرمضان خصوصًا أن هناك تنافسًا كبيرًا مع مناسبات أخرى. لذا ليس خطأ إذا زُين البيت لمناسبة شهر رمضان بفوانيس وهلال أو زُيّنت غرفة الطفل، فهذا يمنح الشهر الرهجة والفرحة، وفي الوقت نفسه يدخل البهجة إلى قلب الطفل.
كما من الجميل أن يحيي الأهل بعض عادات رمضان القديمة، مثلا في بيروت هناك ما يعرف باستبانة رمضان حين تجتمع العائلات قبل يوم الصوم بيوم في الطبيعة ويراقب الكل معاً ظهور هلال رمضان.
- هل من الضروري شرح معنى العشر الأخير وليلة القدر للطفل؟
في البداية يمكن أن يركّز الأهل على ليلة القدر، فمفهوم أيام العشر الأخيرة لن يفهمها الطفل، بينما ليلة القدر وأهميتها وفضل إحيائها وذكرها في القرآن، يسهل على الطفل فهم معناها ويمكنه المشاركة فيها.
وأنا ضد المبالغة في شرح معنى رمضان يوميًا، فهذا يجعل الطفل يمل، ولكن يمكن مثلا إذا أرادا الأهل ترسيخ معنى الشهر في عقل طفلهم أن يطلبوا من أحد الأبناء سرد حديث ديني لرياض الصالحين قرأه في كتاب معين، فهذه تكون أجمل رسالة، وبطريقة غير مباشرة وسلسة وتتحوّل مائدة الإفطار إلى غذاء للجسم والروح معًا.
- هل يمكن الطفل مشاركة أهله فطرة رمضان؟
من المهم أن يعرف الطفل سُنة الفطرة ويفهمها، فهي سُنّة محببة وواجبة، وإذا أراد أن يشارك فيها يمكن القول له: طالما أنت لا تعمل فالبابا والماما مكلفان بدفعها عنك، ولكن عندما تبدأ العمل سوف تقوم بها بنفسك.
ولكن يمكن أن نجعله يشارك مثلا أن يتبرع بلعبة أو ملابس لم يعد يرتديها رغم أنها في حالة جيّدة، لطفل يتيم أو فقير. وهذه العادة يجب أن يكون الطفل قد تربّى عليها قبل أن يصوم، وفي رمضان تكون تلقائية. من المهم أن يرى كيف توزع أمه طبق أول سكبة لأحد الفقراء، ويجب أن يعرف أن التبرع يكون من أجمل وأجود ما لدينا.
- هناك أحيانًا أطفال ينسون أنهم صائمون أو يأكلون خلسة رغم أنهم غير مرغمين. ماذا على الأم فعله؟
في الفترة الأولى تغض النظر، فالنسيان شيء والتصرّف المقصود شيء آخر. وإذا قصد الطفل اللقمشة يمكن الأم أن تقول له: الله يعرف كل شيء فأنت تصوم له لا لي، هذا يعود إليك. في البداية عليها ألا تكون قاسية معه خصوصًا إذا كان دون سن التكليف.
- هناك أطفال لا يستطيعون مقاومة مشهد مائدة الإفطار الجميلة ويفقدون صبرهم ويلقمشون؟
هنا على الأم أن تشغلهم، بأن يساعدوها في تحضير مائدة الطعام، كأن تطلب مثلا ترتيب الأطباق أو توزيع الملاعق أو غسل الخضار. بذلك لن يشعر الطفل بالوقت.
نهار رمضان طويل هذا العام، فكيف يمكن شَغل الطفل الذي اعتاد الصيام في رمضان الماضي؟
بالذهاب مع والده إلى العمل أو القراءة أو مساعدة الماما في المنزل. تقسيم الوقت وتوزيع
الأدوار يخففان وطأة الوقت. ويمكن طبعاً قراءة القرآن... هناك خيارات عدة لملء وقت الطفل.