| .عنوان الموضوع : ( ثورة قبيلة هوارة في طرابلس ) | الأحد 9 ديسمبر - 15:59 | موضوع: ثورة قبيلة هوارة في طرابلس | |
| ثورة قبيلة هوارة في طرابلس ثورة قبيلة هوارة في طرابلس
المبحث الأول
بعد أن احتل عبيد الله المهدي طرابلس عين ماكنون بن ضبارة اللحياني الكتامي واليًا عليها, وثارت قبيلة هوارة على والي طرابلس لعدم استقرار الأمور, وحاولت أن تستفيد من فرصة العهد الجديد الذي لم تستقر فيه الأحوال في الشمال الإفريقي. وانضمت قبائل من زناتة ولماية وغيرها من القبائل البربرية إلى قبيلة هوارة, وقاد هذه الثورة ضد العبيديين في طرابلس أبو هارون الهواري, وحاصروا طرابلس واحتمى ماكنون بسور المدينة. وأنجده عبيد الله المهدي بجيش بقيادة تمام بن معارك «أبازاكي- وهو ابن أخي ماكنون». واستطاعت جيوش العبيديين أن تقضي على هذه الثورة الوليدة في مهدها. وأوعز عبيد الله المهدي إلى ماكنون بن ضبارة للتخلص من تمام بن معارك بزعمه أنه يتآمر عليه, فقتل العم ابن أخيه تمام في غرة ذي الحجة سنة 298هـ وشعر ماكنون بأمان واستقرار, فتطاول في الحكم وسمح لبني قومه من كتامة بالتعدي على أموال الناس والاستهانة بأعراضهم والتدخل في أمورهم, فثار به أهل طرابلس سنة 300 هـ وأخرجوه منها, فلحق بالمهدي برقادة وقتل أهل طرابلس من كان فيها من أنصار ماكنون الكتاميين, وأغلقوا أسوار المدينة, فأرسل عبيد الله المهدي أسطولاً بحريًا استطاع الأسطول الطرابلسي أن يحرقه وأن يقتل من فيه, فأرسل عبيد الله ابنه أبو القاسم بجيش عرمرم بطريق البر فاعترضت له هوارة, إلا أنه استطاع أن يهزمها ووصل إلى أسوار المدينة وضرب عليها حصارًا أفنى ما بقى من أقوات الناس في المدينة حتى أكلوا الميتة, ولم يستطع ابن إسحاق أن يواصل المقاومة, وتفاوض أعيان طرابلس مع أبي القاسم الشيعي وطلبوا منه الأمان فأمنهم بشرط أن يسلموا محمد بن إسحاق, ومحمد بن نصر, ورجلاً آخر يقال له: الحوححة فقبلوا ذلك وسلموهم إليه, ودخل طرابلس وأرهق أهلها بغرامة مالية قدرها ثلاثمائة ألف دينار, وتخلص أبو القاسم الشيعي من الأغالبة الذين كانوا في المدينة مدعيًا أنهم هم الذين حرضوا على الفتنة. وتولى جباية مال الغرامة رجل يقال له الخليل بن إسحاق من أبناء جند طرابلس. وجابي مال الغرامة هو الذي أتم بناء جامع طرابلس الكبير أيام العبيديين وبنى منارته, وقد قتل على يد ابن كيداد اليفرني لما استولى على القيروان سنة 322هـ. وبعد أن استقرت الحال في طرابلس قفل أبو القاسم الرافض إلى رقادة, وطاف بالرجال الثلاثة الذين تسلمهم من طرابلس في شوارع القيروان على الجمال تشهيرًا بهم ثم قتلهم( ). ويتضح من هذا الثورة المبكرة ضد العبيديين أن أهل طرابلس غير راغبين في الحكم العبيدي إلا أنهم خضعوا له بقوة السلاح. وكتب التاريخ تؤكد على دور علماء وفقهاء طرابلس وجهادهم في مواجهة الفكر الشيعي والمد الرافض والمعتقد الباطني الذي تكفلت دولة بني عبيد بنشره في الشمال الإفريقي.
المبحث الثاني زحف العبيديين على برقة فلما استقر أمر طرابلس أرسل عبيد الله جيوشه نحو برقة بقيادة حباسة بن يوسف الكتامي, وكان قاسيًا شديدًا نزعت الرحمة من قلبه, فتوجه في عام 301هـ نحو سرت, لأنها لا زالت تحت حكم الأغالبة فدخلها بدون حرب, وهجرها من كان فيها من جنود العباسيين والأغالبة, ثم تقدم حباسة إلى أجدابية فهجرها من كان فيها من العباسيين والأغالبة, وطلب أهلها الأمان فأمنهم ودخلها بدون قتال, واحتل مدينة برقة وكانت جيوش العبيديين تتدافع نحو حباسة بدون انقطاع. وكان حباسة هذا لا يفي بوعد, وكلما دخل مدينة قتل أهلها وأخذ أموالهم وسبى نساءهم, ومن فظاعة أعماله التي ذكرتها كتب التاريخ ما فعله بمجموعة من الناس كانوا يلعبون بالحمام في برقة فأمر بهم فأجلسهم حول النار, وأمر بلحومهم أن تقطع وتشوى, ثم أمر بهم فألقوا في النار. إن هذه الأعمال الوحشية تدل علىعداوة العبيديين لكل من له رائحة سُنية, وربما يتقربون بها إلى الله على زعمهم الفاسد. ومن أعماله الشنيعة ما قام بإعلانه في برقة: من أراد العطاء فليأت إلينا, فحضر إليه من الغد ألف رجل, فأمر بهم فقتلوا جميعًا, ثم وضع جثثهم بعضًا على بعض, وجيء له بكرسي فوضع على الجثث وجلس عليه, وأمر بالوجهاء من أهل البلد فدخلوا عليه فحبسهم وأهانهم, وقد مات منهم أناس من هول ما رأوا, وقال لهم: إن لم تأتوني غدًا بمائة ألف مثقال قتلتكم جميعًا, فأحضروها له. وانتقم من حارث ونزار ابني جمال المزاتي في نفر من أبناء عمومتهم في مدينة برقة, وباع نساءهم وأخذ جميع أموالهم وخيراتهم, وقد اغتم أهالي برقة من هذه الأفعال الشنيعة والأعمال القبيحة فأرسلوا إلى عبيد الله المهدي, فاعتذر الملعون وحلف يمينًا كاذبة أنه ما أمر بشيء من ذلك, وكتب إلى حباسة أن يرحل عن برقة فرحل إلى جهة مصر, وأتى أمورى أقبح مما كان يفعله في برقة( ). وفي سنة 302هـ تقدمت جيوش أبي القاسم الرافضي إلى الإسكندرية ولم ينل ما أراده ورجع مهزومًا, ذلك أن أبا القاسم أرسل قصيدة إلى بغداد يفخر فيها ببيته وبما وصل إليه ملكهم فرد عليه الصولي بقصيدة على وزنها ومنها: فلــو كانــت الدنيـا مثــالاً لطائـر لكان لكم منها بمـا حـزتم الــذنب فغضب من هذا البيت وقال: «والله لا أزال حتى أملك صدر الطائر ورأسه إن قدرت أو أهلك دونه»( ). ثورة أهل برقة على العبيديين: وفي هذه السنة 302هـ انتقم أهل برقة من العبيديين فقتلوا عاملهم وكثيرًا من رجال كتامة, فأرسل المهدي جيوشه سنة 303هـ لتأديبهم والانتقام منهم, وقاد هذه الجيوش أبو مديني ابن فروخ اللهيفي, وحاصر مدينة برقة ثمانية عشر شهرًا ودخلها سنة 304هـ عنوة, فقتل أكثر أهلها, وأحرق دورها, وهتك أعراض نساءها وبعث بالأسرى إلى عبيد الله الذي أمر بقتلهم, وبقى أبو مديني ببرقة إلى أن مات بها سنة 306هـ( ). وفي سنة 304هـ حارب العبيديون أهل صقلية وغزوا مصر في ذي القعدة سنة 306هـ واستولوا على الإسكندرية وأكثر الصعيد ولم يستقروا بل رجعوا. وفي سنة 308هـ تم بناء المهدية وانتقل إليها المهدي, وفي سنة 310هـ خرجت نفوسة على عبيد الله وقدموا عليهم أبابطة, فقوى شأنه وعظمت شوكته وكان مذهبهم إباضيًا فأرسل إليهم عبيد الله جيشًا بقيادة علي بن سليمان الداعي فانهزم جيش العبيديين وفر علي إلى طرابلس, ثم أعاد الكرة على نفوسة وحاصروها. وعيَّن محمد بن عمر النفطي قاضيًا على طرابلس, واستطاعت الدولة العبيدية أن تفرد نفوذها بقوة السلاح على إفريقية, وطرابلس, وبرقة, وجزيرة صقلية في حكم عبيد الله المهدي.
المبحث الثالث خروج أبي يزيد الخارجي على العبيديين
هو مخلد بن كيداد اليفرني بن سعد الله بن مغيث بن كرمان بن مخلد بن عثمان بن يفرن, ويفرن هذا أخو مغراو الذي تنسب إليه قبيلة مغراوة, وأمه أم ولد واسمها سيكة, وهي من بلاد السودان التي كان يتردد عليها والده للتجارة فاتخذها جارية له( ). وعاش أبو يزيد فقيرًا وطلب المذهب الخارجي فتتلمذ على النكارية( ), وكان في أول أمره معلمًا لتحفيظ القرآن الكريم, وقضى معظم وقته في التعليم وظهر في بداية أمره بمظهر الزهاد, فكان يركب حمارًا ينتقل به بين القبائل والجبال فلقب بصاحب الحمار, وتذكر بعض كتب التاريخ أنه لما قاد الثورة ضد العبيديين كانت سنه تقارب التسعين, واستغل العداء بين زناتة والعبيديين وما مارسته دولة الروافض من أخذ الضرائب حتى فاقوا في ظلمهم الأغالبة واشتدت معارضة البرابرة بعد أن أعلن الروافض لعن الشيخين «أبي بكر وعمر رضي الله عنهما» على المنابر وفي المنتديات والحلقات وفي خطب الجمعة, فبدأ أبو يزيد في إعداد العدة في منطقة الجريد وأشغل الشمال الإفريقي بحروب طاحنة, وكانت بداية ثورته في زمن عبيد الله في جهات طرابلس وتابعه كثير من البرابرة من شدة جور محمد بن عبيد الله المهدي لأهل السنة, وظلمه لهم, وتعذيبه إياهم, ورأى علماء أهل السنة الوقوف مع أبي يزيد ضد بني عبيد وقال: هم أهل القبلة -أي أصحاب أبي يزيد- وأولئك ليسوا من أهل القبلة -وهم بنو عدو الله-( ), وسمى أبو يزيد نفسه شيخ المؤمنين, وكان يضمر لأهل السنة أشد العداوة, لأنه كان نكاريًا( ) يستحل أموال أهل السنة ونساءهم, فانتهز كراهية أهل السنة لمحمد بن عبيد الله وأخفى عليهم عقيدته وأظهر لهم صداقته, ولما رأى القدرة من نفسه غدر بأهل السنة وخلى بينهم وبين محمد بن عبيد الله يقتلهم ويستبيح نساءهم ويغتصب أموالهم, ولولا أنه خاف أن يقال عنه قتل خلفاءه وأعوانه فينفض الناس من حوله لفعل بأهل السنة الأعاجيب. ومع ذلك فقد فُضِح أمره وانفض الناس من حوله, وكان أبو يزيد الخارجي قاسي القلب, جبارًا عنيدًا, قال الشيخ طاهر الزاوي: «تدل أفعاله على نبذ الأديان, وعدم احترام الإنسانية, دخل القيروان بعد أن خرب البلاد, وقتل الرجال, وسبى النساء وشق فروجهن, وبقر بطون الحوامل, والتجأ الناس إلى القيروان حُفاة عُراة, ومات كثير منهم عطشًا وجوعًا, وشكا إليه بعض الناس ما حل بالبلاد من خراب, فقال لهم في سخرية واستهزاء: «وما يكون لو خربت مكة والبيت المقدس»( ). وهكذا إذا غابت العقيدة السليمة, وغاب التصور الصحيح, والمنهج الرباني يصبح الإنسان وحشًا مفترسًا في حروبه لا منهج يلزمه, ولا عقل يمنعه, ولا شرع يوجهه. إن عقيدة أبا يزيد الخارجي الفاسدة جعلته جبارًا عنيدًا وغادرًا ومفسدًا لا يراعي عهدًا ولا ذمة لأحد, وهذا دليل على انطماس الفطرة, وانغماسه في وحول المستنقعات النتنة البعيدة عن نور الوحيين «كتاب الله وسنة رسوله ×». واستطاع العبيديون الروافض القضاء على ثورة أبي يزيد في زمن إسماعيل محمد المهدي الملقب «بالمنصور» حيث استطاع المنصور أن يوقع بجيوش أبي يزيد خسائر فادحة في الأموال والرجال, وتابعه حتى تمكن منه بعد جهد جهيد وظفر به مثخنًا بجراحه ومات متأثرًا بها, فسلخ المنصور جلده وحشاه تبنًا وصلبه»( ). وقال العبيديون في هذا الموقف شعرًا نظمه علي بن محمد الأيادي الشاعر: فارتقى الملعون من خيفته في ذرى أعيط عال مُصعد
في ذرى حلقاء ملساء على ذلك المعقل ليست بصدد
معقل من فوقه الله ومن تحته المنصور في جيش معد
فارتقى المنصور بالسيف له يوم طعن كشآبيب البرد
فإذا مخلد في كف الردى موثق الجيد بحبل من مسد
فأبى الله سوى إعجاله وعذاب الله للجسم أهد
فنفى عنه أيد ما دنسًا كان قد أسرف فيه ومرد
كأديم التيس لما لم يطب ريحه جرد منه فانجرد
وحشاه سالخوه سعفًا ماليًا ما بين كعب وكند
ثم رقاه على مستحصد باسق أجرد ما فيه أود
وبقى مصلوبًا حتى تمزق جلده وأذرته الرياح, وكان ذلك في المحرم سنة 336هـ, وواصل ابنه الثورة مطالبًا بثأر أبيه, فأرسل إليه المنصور قائده زيري بن مناد( ) فقتله, وانتهى أمر أبي يزيد الخارجي وابنه. لم تكن ثورة أبي يزيد ذات خطة واضحة, ولم تكن لها أهداف لتكوين دولة, حيث إنه استطاع بجيوشه أن يكبل العبيديين خسائر فادحة, وينتزع منهم الملك ويحاصرهم في المهدية, ومع هذا وقف حائرًا فأساء السيرة مع كثير من القبائل, ففقدت الثقة فيه وانفضت من حوله, وإنما الواضح في ثورته الانتقام وسفك الدماء من مخالفيه بطريقة وحشية همجية تدل على قلب حقود لكل من يخالفه, واستغرقت هذه الثورة النارية أربعة عشر عامًا انشغلت بها دولة العبيديين الروافض. ولعل هذا من سنة الله في تسليط بعض الظالمين على بعض, حيث قتل الألوف من أتباع الطرفين وفقد الأمن والأمان في الشمال الإفريقي.
المبحث الرابع القائم بأمر الله الخليفة الثاني الرافضي أبو القاسم نزار بن عبيد الله (322-334هـ , 934- 945م) هو أبو القاسم محمد بن المهدي بن عبيد الله, ولد في سلمية سنة ثمان وسبعين ومائتين, بويع له بخلافة الروافض في سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. وكان مهيبًا شجاعًا قليل الخير, فاسد العقيدة, خرج عليه في سنة اثنتين وثلاثمائة أبو يزيد مخلد بن كيداد البربري الخارجي, وجرت بينهما ملاحم وحروب, وحصره مخلد بالمهدية, وضيق عليه واستولى على بلاده ثم وسوس القائم, واختلط وزال عقله, وكان شيطانًا مريدًا يتزندق فأظهر سب الأنبياء, وكان أتباعه يصيحون: العنوا الغار وما حوى. وأباد عددًا من العلماء, وكان يراسل قرامطة البحرين, ويأمر بإحراق المساجد والمصاحف. واستغل أبو يزيد الخارجي كفر أبي القاسم وألب عليه إباضية المغرب وجموع القبائل وفقهاء وزهاد القيروان, وكاد أن يتملك أبو يزيد المغرب بأجمعه وركزت ألويته عند جامع القيروان فيها: لا إله إلا الله لا حكم إلا لله, وعلمان أصفران فيهما: نصر من الله وفتح قريب, وعلم لأبي يزيد فيه: اللهم انصر وليك على من سب نبيك( ). وكان القائم العبيدي يقذف الصحابة علنًا ويطعن في النبي × حتى إنه أمر بتعليق رؤوس كباش على الحوانيت, وكتب عليها إنها رؤوس الصحابة, وبسبب كفرهم وطغيانهم قال الشاعر في بني عبيد: الماكر الغادر الغاوي لشيعته شرُّ الزنادقة من صحب وتُبَّاع
العابدين إذاً عجلاً يخاطبهم بسحر هاروت من كفر وإبداع
لو قيل للروم أنتم مثلهم لبكوا أو لليهود لسدوا صمخ أسماع( )
المبحث الخامس الخليفة الشيعي الرافضي الثالث في الشمال الإفريقي المنصور بنصر الله أبو طاهر إسماعيل (334- 341هـ ، 945- 952م) هو أبو الطاهر إسماعيل بن القائم المهدي, العبيدي الباطني صاحب المغرب. تولى خلافة الروافض بعد أبيه, وهو الذي قضى على ثورة أبي يزيد الخارجي النكاري. قال عنه الذهبي: «وكان بطلاً شجاعًا, رابط الجأش, فصيحًا مفوهًا يرتجل الخطب, وفيه إسلام في الجملة وعقل بخلاف أبيه الزنديق»( ). قلت: وقول الذهبي: وفيه إسلام في الجملة فيه نظر. وذكر الذهبي شيءًا من كرمه فقال: «وقد جمع مرة من أولاد جنده ورعيته عشرة آلاف صبي, وكساهم كسوة فاخرة, وعمل لهم وليمة لم يسمع قط بمثلها, وختنهم جميعًا, وكان يهب للواحد منهم المائة دينار والخمسين دينارًا على أقدامهم. ومن محاسنه أنه ولى محمد بن أبي المنظور الأنصاري قضاء القيروان, وكان من كبار أصحاب الحديث, ولقد لقى إسماعيل القاضي, والحارث بن أبي أسامة, فقال: بشرط أن لا آخذ رزقًا ولا أركب دابة, فولاه يتألف الرعية, فأحضر إليه يهودي قد سب فبطحه, وضربه إلى أن مات تحت الضرب لعلمه أنه لو رفع إلى المنصور لا يقتله فضربه القاضي مظهرًا ضرب الأدب حتى قتله»( ). توفي في سنة إحدى وأربعين ومائة بسبب برد وريح عظيمة أصابته مع جنوده وحاشيته عندما كان يتنزه. وكان يتودد إلى رعيته واقتصر على إظهار التشيع, وقام بعده المعز ولده( ).
المبحث السادس المعــــــز لدين الله أبو تميــم ســـــعد ذو الحجة 341- ربيع 362هـ
هو معد بن إسماعيل المنصور, وكنيته أبو تميم, ولد بالمهدية في 11 من رمضان سنة 319هـ, وعهد له والده بالخلافة بعده وجلس على سرير الملك من ذي الحجة سنة 341هـ, وهو الخليفة العبيدي الرابع الذي حكم الشمال الإفريقي. واستطاع أن يمد نفوذه على معظم الشمال شرقًا وغربًا, ففي سنة 342هـ ولى باسيل الصقلي عاملاً على سرت, وولى على إجدابية ابن كافي الكتامي, وولى على برقة وأعمالها أفلح الناسب. وتوسعت أملاكه في صقلية سنة 354هـ, وفي أيامه دخل اليهود إفريقية, وأصبحت حدود مملكته إلى حدود مصر, ومن ثم استطاع أن يتابع أحوال الحكام والأمراء في مصر عن كثب, وأصبحت نفسه تسول له الاستيلاء على مصر, وبموت كافور الإخشيدي في سنة 355هـ اضطربت الديار المصرية, فاقتنص المعز الفرصة ولم يجعلها تمر مر السحاب, فعزم ودبر وأقدم على حفر الآبار والقصور فيما بين القيروان إلى حدود مصر, وحشد الجيوش العظيمة, وجمع الأموال الجزيلة, واختار جوهر الصقلي قائدًا لتلك الجيوش التي كانت تزيد على مائة ألف, وأمر المعز كل أمرائه أن يسمعوا ويطيعوا ويترجلوا في ركاب الصقلي, وتحركت الجيوش العبيدية لنقل المذهب الباطني إلى مصر ليتخلص من الأزمات والثورات والصراعات العنيفة التي قادها علماء السنة في خمسة عقود متتالية في الشمال الإفريقي, رافضين المذهب الإخشيدي التابع للدولة العباسية في مصر, فرمى بسهامه المسمومة إليها, ودفع إليها جيوشه المحمومة طالبًا من أعوانه وشياطينه أن يقضوا على الخلافة العباسية الأبية ذات التوجهات السنية. وقد حاول المعز أن يضم الأندلس السنية إلا أن رجالها البواسل منعوه من أن يصل إلى هدفه, وفي جمادى الآخرة سنة 358هـ استطاعت جيوش المعز دخول مصر بقيادة خادمه جوهر الصقلي الذي لم يجد أي عناء في ضمها لأملاك العبيديين. وجوهر الصقلي هذا هو الذي بنى الأزهر سنة 361هـ ليكون منبرًا من منابر العبيديين الروافض في بث معتقداتهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة, ثم تحول بفضل الله ثم جهود صلاح الدين الأيوبي الذي قضى على العبيديين في مصر إلى قلعة من قلاع أهل السنة, ودخلت جيوش العبيديين على دمشق سنة 358هـ بقيادة جعفر بن خلاف أحد قواد العبيديين( ). رحلة المعز إلى مصر: وبعد أن مهدت مصر للمعز العبيدي جهز جيوشه وحاشيته وأهله وأمواله, وسار مفارقًا شمال إفريقيا إلى مصر, ليتولى أمرها, فأسند زعامة الشمال الإفريقي إلى الأمير الصنهاجي بلكين ابن زيري وضم المعز إلى مصر كلاً من طرابلس وسرت وبرقة, وكان معه شاعره الملحد الذي غالى في مدح المعز محمد بن هانئ الأندلسي الذي قال: فكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار
ما شئت أنت لا ما شاءت الأقدار الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار
هذا الذي تجدي شفاعته غدًا حقًا وتخمد أن تراه النار
ومن شعره في المعز: النور أنت وكل نور ظلمة والفوق أنت وكل فوق دون
فارزق عبادك فضل شفاعة واقرب بهم زلفى فأنت مكين
ومنه: تدعوه منتقمًا عزيزًا قادرًا غفارًا موبقة الذنوب صفوحًا
أقسمت لولا أن دعيت خليفة لدعيت من بعد المسيح مسيحًا
شهدت بمفخرك السموات العلا وتنزل القرآن فيك مديحًا
ومنه: وعلمت من مكنون سر الله ما لم يؤت في الملكوت ميكائيلا
لو كان آتى الخلق ما أوتيته لم يخلق التشبيه والتأويلا
وكان المعز وكذلك أجداده يستمعون إلى مثل هذه الكفريات ولا ينكرونها ويقرونهم عليها, وكانت بداية رحلة المعز نحو مصر في 362هـ. وقتل الملحد الكافر ابن هانئ في برقة «مقبرة الملاحدة» في رجب سنة 362هـ, وهو في الثانية والأربعين من عمره, ووجدوا جثته مرمية رمي الكلاب على ساحل بحر برقة. وتأسف المعز على قتله وقال: هذا الرجل كنا نرجو أن نفاخر به شعراء المشرق فلم يقدر لنا ذلك( ), واستمر المعز في سيره, حتى قارب الحدود المصرية, ووصل الإسكندرية يوم 23 من شعبان سنة 362هـ واستقبله وفود عظيمة من أعيان القادة والزعماء والحكام في مصر. وامتد ملك المعز من سبتة بالمغرب إلى مكة بالمشرق يأتمر بأوامره سكان سواحل المحيط الأطلنطي. وبقى المعز في مصر سنتين ونصفًا, وتوفى بالقاهرة في السابع من ربيع الأول سنة 365هـ, ودامت ولايته بإفريقية ومصر ثلاثًا وعشرين سنة( ). قال الشيخ طاهر الزاوي -رحمه الله-: «ودامت دولة الفاطميين 260 سنة, منها اثنتان وخمسون سنة بالمغرب, ومائتان وثماني سنوات بمصر, وعدد خلفائها أربعة عشر خليفة, أولهم عبيد الله المهدي, وآخرهم العاضد الذي توفى بمصر يوم عاشوراء سنة 567هـ, وبموته انقرضت دولة الفاطميين من المشرق والمغرب. والملك لله وحده يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء»( ). قال الذهبي -رحمه الله-: «ظهر في هذا الوقت الرفض, وأبدى صفحته وشمخ بأنفه في مصر والشام والحجاز والمغرب بالدولة العبيدية, وبالعراق والجزيرة والعجم بني بويه, وكان الخليفة المطيع ضعيف الرتبة مع بني بويه وضعف بدنه ثم أصابه فالج, وخرس فعزلوه وأقاموا ابنه الطائع لله, وله السكة والخطبة, وقليل من الأمور فكانت مملكة المعز أعظم وأمكن( ). وكان المعز شاعرًا, ومن شعره: لله ما صنعت بنا تلك المحاجر في المعاجر ( )
أمضى وأقضي في النفو س الخناجر في الحناجر
ولقد تعبت ببينكم تعب المهاجر في الهواجر ( )
وقال الذهبي -رحمه الله- في المعز: «وعاش ستًا وأربعين سنة وكان مولده بالمهدية ودفن بالمعزية بالقاهرة في عام خمس وستين وثلاثمائة»( ).
المبحث السابع جرائم العبيديين في الشمال الإفريقي
لقد ارتكب الباطنيون الروافض الشيعة في أهالي الشمال الإفريقي من أهل السنة ما تشيب منه الولدان ولا تصدقه العقول, وأنزلوا غضبهم وصبوا سخطهم على العلماء خاصة: 1- فعندما ادعى عبيد الله الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان وهو جالس على كرسي ملكه وأوعز إلى أحد خدمه, فقال للشيخين: «أتشهدان أن هذا رسول الله؟ فقالا بلفظ واحد: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله, ما قلنا ذلك. فأمر بذبحهما»( ) وهذا الشيخان المغربيان هما: ابن هذيل وابن البردون. قال الذهبي عن ابن بردون: «هو الإمام الشهيد المفتي, أبو إسحاق, إبراهيم بن البردون الضبي مولاهم الإفريقي المالكي, تلميذ أبي عثمان الحداد»( ). وطلب منه لما جرد للقتل: أترجع عن مذهبك؟ قال: أعن الإسلام أرجع؟ وقيل: في سنة تسع وتسعين ومائتين( ) إن عبيد الله المهدي الزنديق لم يدع الرسالة فحسب, بل سمح لأتباعه أن يغرقوا في كفرهم حتى ألهوه فقد كانت أيمانهم المغلظة: «وحق عالم الغيب والشهادة, مولانا الذي برقادة». ومن أهم ما ادعى معرفة الغيب, والغيب لا يعلمه إلا الله, وهذا الأمر من خصوصيات الألوهية, فمن ادعاه لغير الله يقع في الشرك والكفر العظيم, قال تعالى: +وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ" [الأنعام: 59]. +قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ"
[النمل: 65].
كما أن الحلف لا يكون بمخلوق وإنما يكون بالخالق, قال رسول الله ×: «من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت...» وجاءت الأحاديث في النهي عن الحلف بالآباء( ). 2- لقد كان شعراء الدولة العبيدية يمدحون خلفاءهم إلى درجة الكفر البواح وينشرونها بين الناس, وقد ظهر ذلك في شعر ابن هانئ الأندلسي في مدحه للمعز وكان أحد شعرائهم, مدح عبيد الله فقال: حل برقادة المسيح حل بها آدم ونوح
حل بها الله ذو المعالي فكل شيء سواه رايح ( )
كما شبه شعراؤهم المهدية بمكة المكرمة وقصر المهدي بالكعبة. هي المهدية الحرم الموقى كما بتهامة البلد الحرام
وإن لثم الحجيج الركن أضحى لنا بعراص قصركم التثام ( )
3- شنوا حربًا نفسية على أهل السنة وذلك بتعليق رؤوس الأكباش والحمير على أبواب الحوانيت والدواب, وكتبوا عليها أسماء الصحابة رضي الله عنهم, (لعنهم الله أنى يؤفكون), وأظهروا سب الصحابة رضي الله عنهم, وطعنوا فيهم وزعموا أنهم ارتدوا بعد النبي × وخصصوا دعاة للنداء بذلك في الأسواق. قتل أو سجن( ). 4- عملtومن ذكر الصحابة بخير أو فضل بعضهم على علي العبيديون على إزالة آثار بعض من تقدمهم من الخلفاء السنيين؛ ولذلك أصدر عبيد الله أمرًا بإزالة أسماء الحكام الذين بنوا الحصون والمساجد, وجعل اسمه بديلاً منهم, واستولى هذا الرافضي الخبيث على أموال الأحباس وسلاح الحصون, وطرد العباد والمرابطين بقصر زياد الأغلبي وجعله مخزنًا للسلاح( ). 5- حرص العبيديون على منع التجمعات خوفًا من الثورة والخروج عليهم؛ ولذلك جعلوا بوقًا يضربونه في أول الليل, فمن وجد بعد ذلك ضرب عنقه, كما أنهم كانوا يفرقون الناس الذين يجتمعون على جنازة من يموت من العلماء( ). وهذا الفعل لا يزال مستمرًا في الأنظمة القمعية البوليسية التي لا ترى إلا ما يراه حاكمها وطاغوتها وفرعونها +مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ" [غافر: 29]. 6- أتلفوا مصنفات أهل السنة, ومنعوا الناس من تداولها كما فعلوا بكتب أبي محمد بن أبي هاشم التجيبي (ت 346هـ) الذي توفي وترك سبعة قناطير كتب, كلها بخط يده, فرفعت إلى سلطان بني عبيد فأخذها «ومنع الناس منها كيدًا للإسلام وبغضًا فيه»( ). 7- حرموا على الفقهاء الفتوى بمذهب الإمام مالك, واعتبروا ذلك جريمة يعاقب عليها بالضرب والسجن أو القتل أحيانًا, ويعقب ذلك نوع من الإرهاب النفسي, حيث يدار بالمقتول في أسواق القيروان وينادي عليه: «هذا جزاء من يذهب مذهب مالك», ولم يبيحوا الفتوى إلا لمن كان على مذهبهم كما فعلوا بالفقيه المعروف بالهزلي «أبو عبد الله محمد بن العباس بن الوليد» المتوفي عام تسع وعشرين وثلاثمائة( ). 8- منعوا علماء أهل السنة من التدريس في المساجد, ونشر العلم, والاجتماع بالطلاب, فكانت كتب السنة لا تقرأ إلا في البيوت خوفًا من بني عبيد, فكان أبو محمد بن أبي زيد, وأبو محمد بن التبان وغيرهما, يأتيان إلى أبي بكر بن اللباد, شيخ السنة بالقيروان في خفية, ويجعلان الكتب في أوساطهما حتى تبتل بالعرق خوفًا من بني عبيد»( ). وهذا المسلك لا زالت الدول القمعية في العالم الإسلامي تمارسه على شعوبها فبعضها تمنع هذا الأمر كليًا, وبعضها تسمح ببعض أمور الدين التي لا تصطدم مع مصالح الدول الكبرى. 9- أجبروا الناس على الدخول في دعوتهم فمن أجاب تركوه, وربما ولوه بعض المناصب, ومن رفض قُتل, كما فعلوا عقب أول جمعة خطبها عبيد الله بالقيروان, وقعت بين الدولة العبيدية وأهل القيروان مقتلة عظيمة, فأمر الشيعي بالكف عن العوام, وافتعل مناظرات صورية, فدارت على علماء السنة محن عظيمة, وقتل منهم عدة آلاف بسبب تمسكهم بإسلامهم ودفاعهم المستميت عن السنة, قال القابسي: «إن الذين ماتوا في دار البحر -سجن العبيديين- بالمهدية من حين دخل عبيد الله إلى الآن أربعة آلاف رجل في العذاب, ما بين عالم وعابد ورجل صالح»( ), هذا عدا من كانوا يقتلون دون سجن ويمثل بهم في شوارع القيروان, فأثر ذلك على سير الحياة العلمية, وقد خمل ذكر كثير من العلماء الذي آثروا اعتزال الفتنة, مثل أبي محمد الورداني( ), ومع ذلك فإن هذه المحنة لم تزد أهل الشمال الإفريقي إلا عزيمة وصبرًا واحتسابًا وتمسكًا بأصول أهل السنة والجماعة( ). 10- عطلوا الشرائع, وأسقطوا الفرائض عمن تبع دعوتهم حيث يتم إدخالهم إلى داموس ويدخل عليهم عبيد الله لابسًا فروًا مقلوبًا, دابًا على يديه ورجليه, فيقول لهم: «بَحْ» ثم يخرجهم ويفسر لهم هذا العمل بقوله: «فأما دخولي على يدي ورجلي فإنما أردت بذلك أن أعلمكم أنكم مثل البهائم لا شيء, لا وضوء, ولا صلاة, ولا زكاة, ولا أي فرض من الفروض, وسقط جميع ذلك عنكم, وأما لبس الفرو مقلوبًا فإنما أردت أن أعلمكم أنكم قلبتم الدين, وأما قولي لكم بَحْ, فإنما أردت أن أعلمكم أن الأشياء كلها مباحة لكم من الزنى وشراب الخمر....» ( ). ويعجبني في هذا المقام ما قاله شاعر أهل السنة في الشمال الإفريقي أبو القاسم الفزاري في هجاء بني عبيد: عبدوا ملوكهم وظنوا أنهم نالوا لهم سبب النجاة عمومًا
وتمكن الشيطان من خطواتهم فأراهم عوج الضلال قويمًا
رغبوا عن الصديق والفاروق في أحكامهم لا سلموا تسليمًا
واستبدلوا بهما ابن أسود نابحًا وأبا قدرة واللعين تميمًا
تبعوا كلاب جهنم وتأخروا عمن أصارهم الإله نجومًا
ياليت شعري من هم إن جهلوا دنيا, ومن هم إن عددت صميمًا
أمن اليهود؟ أم النصارى؟ أم هم دهرية جعلوا الحديث قديمًا
أم هم من الصابين أم من عصبة عبدوا النجوم وأكثروا التنجيما
أم هم زنادقة معطلة رأوا أن لا عذاب غدًا ولا تنعيمًا؟
أم عصبة ثنوية قد عظموا النورين عن ظلماتهم تعظيمًا؟
من كل مذهب فرقة معلومة أخذوا بفرع وادعوه أروما ( )
وستأتي قصيدته الرائية التي هجا فيها بني عبيد وكيف نجاه الله منهم بإذن الله تعالى. 11- زادوا في الأذان: «حي على خير العمل», وأسقطوا من أذان الفجر «الصلاة خير من النوم», ومنعوا الناس من قيام رمضان, وليس شيء أشد على بني عبيد من هذه الصلاة, ومنعوا صلاة الضحى, وقدموا صلاة الظهر لفتنة الناس, أما خطبة الجمعة فقد أظهروا فيها سب الصحابة وضروبًا من الكفر, فتركها الناس, وأقفرت المساجد في زمانهم, وكان بعض أئمتهم يصلون إلى رقادة, فلما انتقل عبيد الله إلى المهدية صلوا إليها( ), وكثيرًا ما كانوا يجبرون الناس على الفطر قبل رؤية هلال شوال( ) بل قتلوا من أفتى بأن لا فطر إلا مع رؤية الهلال كما فعلوا بالفقيه محمد بن الحبلي قاضي مدينة برقة. قال الذهبي رحمه الله في ترجمته: «الإمام الشهيد قاضي مدينة برقة, محمد بن الحبلي. أتاه أمير برقة, فقال: غدًا العيد, قال: حتى نرى الهلال, ولا أفطر الناس, وأتقلد إثمهم, فقال: بهذا جاء كتاب المنصور, وكان هذا من رأي العبيدية يفطرون بالحساب, ولا يعتبرون رؤية فلم ير هلال, فأصبح الأمير بالطبول والبنود وأهبة العيد, فقال القاضي: لا أخرج ولا أصلي, فأمر الأمير رجلاً خطب, وكتب بما جرى إلى المنصور, فطلب القاضي إليه, فأحضر, فقال له: تنصل, وأعفو عنك, فامتنع, فأمر, فعلق في الشمس إلى أن مات, وكان يستغيث من العطش, فلم يسق, ثم صلبوه على خشبة. فلعنة الله على الظالمين»( ). 12- من جرائم عبيد الله الكثيرة أن خيله دخلت المسجد, فقيل لأصحابها: كيف تدخلون المسجد؟ فقالوا: إن أرواثها وأبوالها طاهرة, لأنها خيل المهدي, فأنكر عليهم قيم المسجد, فذهبوا به إلى المهدي فقتله, يقول ابن عذارى: وامتحن عبيد الله في آخر حياته بعلة قبيحة: دود في آخر مخرجه يأكل أحشاءه فلم يزل به حتى هلك»( ). إن أجيال المسلمين الذي يقرؤون تاريخ العبيديين لا يعلمون إلا ما كتب لهم عن التاريخ السياسي لهذه الدولة, ذهب فلان وخلفه فلان, وأنها دولة تحب العلم وتنشره, والمقصود نشر كتب الفلاسفة ولكن لا أحد يذكر -عدا الذين ترجموا للعلماء- بطش هؤلاء الأوغاد الظلمة بالعلماء من أهل السنة, بل إن الطلبة الذين يدرسون التاريخ الإسلامي يذكرون معد بن إسماعيل الملقب بالمعز, يذكرونه وكأنه بطل من أبطال التاريخ( ). وهذا كله نتيجة لغياب التفسير العقدي الإسلامي لتاريخنا, بل إن المؤرخين الذين كتبوا لنا التاريخ تأثروا بمدارس الاستشراق أو بالفكر الشيعي, أو بذلت لهم أموال لطمس الحقائق التي لابد من بيانها للأجيال الصاعدة لتعرف عدوها من صديقها, ولتعرف أن الأفكار لا تموت, وإنما تتغير الأشكال والوجوه والمسوح, وأن هؤلاء الملاعين من أعداء الإسلام لا يزالون يعملون سرًا وإعلانًا, ليلاً ونهارًا للقضاء على العقيدة البيضاء الناصعة التي تلقفتها جموع أهل السنة والجماعة من الحبيب المصطفى × وأصحابه الغر الميامين الطاهرين الطيبين رضي الله عنهم أجمعين.
المبحث الثامن موقف علماء أهل السنة وأساليب المقاومة لقد قاوم علماء أهل السنة المد العبيدي الرافضي بكل الأساليب المتاحة لهم من حجة وتعليم ودعوة وحمل للسلاح ضد الطغاة الظالمين, وتمحورت طرقهم في عدة أساليب منها: 1- صمود العلماء والفقهاء ضد أعمال العبيديين وتحملهم للأذى والسجن والقتل مما ساهم في تثبيت عوام المسلمين على عقيدة أهل السنة, وقد عمل العبيديون على إخلاء الساحة من العلماء بالترغيب وضمهم في دعوتهم أو بالترهيب حتى يسقط العامة. 2- قاطع العلماء جميع مؤسسات الدولة العبيدية؛ فلا يختصمون إلى قضائهم, ولا يصلون وراء أئمتهم, ولا يأتون مهنئين, ولا معزين, ولا يتوارثون معهم, ولا يصلون على موتاهم, ولا يناكحونهم( ). وبرز في هذا العمل الجليل العلامة الفقيه أبو يوسف جلبة بن حمود بن عبد الرحمن الذي قاطع العبيديين علانية في أول خطبة لبني عبيد في جامع القيروان, فعندما سمع ما لا يجوز سماعه قام قائمًا وكشف عن رأسه حتى رآه الناس ومشى إلى آخر باب في الجامع –جامع القيروان- والناس ينظرون إليه حتى خرج من الباب وهو يقول: قطعوها قطعهم الله, فمن حينئذ ترك العلماء حضور جمعتهم وهو أول من نبه على ذلك( ). 3- حصن علماء أهل السنة أهل الشمال الإفريقي بالفتاوى التي أوضحت كفر بني عبيد, وأنهم ليسوا من أهل القبلة, كما كفروا من دخل في دعوتهم راضيًا, ومن خطب لهم في دعوتهم, وقد انتشرت هذه الفتاوى, وعرفها الخاص والعام, فكانت حاجزًا منيعًا بين العوام, وبين التردي في دعوة الرافضة( ). ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين حصنوا الأمة بمنهج أهل السنة والجماعة في الشمال الإفريقي في تلك الفترة الحرجة الشيخ أبو إسحاق السبائي رحمه الله, والذي رأى أن الخوارج من أهل القبلة فاجتهد في الوقوف معهم ضد الكفرة العبيديين. قال الشيخ الفقيه أبو بكر بن عبد الرحمن الخولاني: «خرج الشيخ أبو إسحاق السبائي -رحمه الله تعالى- مع شيوخ إفريقية إلى حرب بني عدو الله مع أبي يزيد, فكان أبو إسحاق يقول –وهو يشير بيده إلى عسكر أبي يزيد-: هؤلاء من أهل القبلة وهؤلاء ليسوا من أهل القبلة يريد عسكر بني عدو الله, فعلينا أن نخرج مع هذا الذي من أهل القبلة لقتال من «هو» على غير القبلة –وهم بنو عدو الله- فإن ظفرنا «بهم» لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد؛ لأنه خارجي, والله عز وجل يسلط عليه إمامًا عادلاً فيخرجه من بين أظهرنا ويقطع أمره عنا». والذين خرجوا معه من الفقهاء والعباد: أبو العرب بن تميم, وأبو عبد الملك مروان بن نصروان, وأبو إسحاق السبائي, وأبو الفضل المسمى, وأبو سليمان ربيع القطان( ). وكان ربيع القطان أول من شرع في الدعوى إلى الجهاد ضد العبيديين وندب الناس وحضهم عليه. ولما حضرت صلاة الجمعة طلع «الإمام» على المنبر, وهو أحمد بن محمد بن أبي الوليد وخطب خطبة أبلغ فيها, وحرض الناس على الجهاد وأعلمهم بما لهم فيه من الثواب, وتلا هذه الآية: +لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ" [النساء:95]. يا أيها الناس جاهدوا من كفر بالله, وزعم أنه رب من دون الله تعالى وغيَّر أحكام الله عز وجل, وسب نبيه وأصحاب نبيه وأزواج نبيه. فبكى الناس بكاء شديدًا, وقال في خطبته: «اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية من دون الله, جاحدًا لنعمك, كافرًا بربوبيتك, طاعنًا على أنبيائك ورسلك, مكذبًا لمحمد نبيك وخيرتك من خلقك, سابًا لأصحاب نبيك, وأزواج نبيك أمهات المؤمنين, سافكًا لدماء أمته, منتهكًا لمحارم أهل ملته, افتراء عليك, واغترارًا بحلمك, اللهم فالعنه لعنًا وبيلاً, واخزه خزيًا طويلاً, واغضب عليه بكرة وأصيلاً, وأصله جهنم وساءت مصيرًا, بعد أن تجعله في دنياه عبرة للسائلين, وأحاديث في الغابرين, وأهلك اللهم شيعته, وشتت كلمته, وفرق جماعته, واكسر شوكته, واشف صدور قوم مؤمنين, ونزل فصلى الجمعة ركعتين وسلم, وقال: ألا إن الخروج غدًا يوم السبت إن شاء الله( ). وركب ربيع القطان فرسه وعليه آلة الحرب, وفي عنقه المصحف, وحوله جمع من الناس من أهل القيروان متأهبون معدون لجهاد أعداء الله, وعليهم آلة الحرب فنظر إليهم القطان, فسر بهم وقال: الحمد لله الذي أحياني حتى أدركت عصابة من المؤمنين اجتمعوا لجهاد أعدائك, وإعزاز دينك, يا رب بأي عمل وبأي سبب وصلت إلى هذا؟ ثم أخذ في البكاء حتى جرت دموعه على لحيته, ثم قال لهم: لو رآكم محمد رسول الله × لسُرَّ بكم, وقال في موطن آخر بعد أن أنصت الناس: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ" [التوبة:123] ثم قال: +أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللهُ أَحَقُّ أَن قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ`تَخْشَوْهُ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ`قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" [التوبة:13-15]. ثم أشار بيده وقال: اذكروا الله يذكركم, فكبر الناس, ومشى حتى بلغ الجامع ودخل في قتل أعداء الله حتى قتل سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة مقبلاً غير مدبر( ), واستشهد معه فضلاء وأئمة وعباد صالحون. 4- قاطع العلماء من استجاب وداهن العبيديين من الفقهاء وإن لم يدخل في دعوتهم؛ ولذلك أفتى العلماء بطرح كتب أبي القاسم البراذعي( ). 5- فتح العلماء والفقهاء بيوتهم للناس لفضح معتقدات الباطنية العبيدية, وكان أبو إسحاق السبائي يفتح داره ويأخذ في ذم العبيديين والتحذير منهم, وكان يكثر من ذكر فضائل الصحابة والثناء عليهم, وكانت داره كالمسجد لكثرة من يقصدها من الطلبة, وكذلك أحمد بن نصر الهواري, وأحمد بن يزيد الدباغ, واضطروا لذلك بعد أن منعهم العبيديون من التدريس في المساجد, واجتهد العلماء سرًا في تعميق عقائد أهل السنة وأصولهم وفقههم في قلوب أهل الشمال الإفريقي( ). وهكذا الدعاة الربانيون والفقهاء العاملون مهما ضيق الطغاة والظلمة العتاة فإنهم لابد أن يجدوا سبيلاً لتعليم الناس ودعوتهم إلى الرشاد. 6- اجتهد علماء أهل السنة في غرس منهج أهل السنة في أبناء الكتاميين والصنهاجيين والبرابرة الموالين للعبيديين, وذلك ما قام به العلامة أبو إسحاق الجبنياني وغيره, فإنهم كانوا يعلمون الأولاد الصغار أبناء حملة الدعوة العبيدية بحيل لطيفة وكانوا لا يأخذون منهم أجرًا, ترغيبًا لهم في الإقبال عليهم ( ). ويظهر من هذا أن الاهتمام بأبناء السياسيين والمفكرين العلمانيين ووزراء الدولة ومسئوليها وموظفيها في كل قطر ضرورة دعوية شرعية وحركية نحو إقامة شرع الله والتمكين لدينه, وأما العداء وقطع الطرق والوسائل للوصول إلى أوكار العلمانيين ونزع أبنائهم من صولة الشياطين فأمر لا يليق بأصحاب الدعوة من أهل السنة والجماعة. 7- ومن وسائل علماء أهل السنة في الذب عن عقائد السلف وسيلة المناظرة والجدال وإفحام الخصم أمام عوام الناس, وممن سجلت لنا كتب التاريخ مآثره النيرة في هذا المضمار العلامة الفقيه العالم الرباني أبو بكر القمودي الذي ناظر أبا العباس الشيعي مناظرة أفحمه فيها ( ). وإبراهيم بن محمد الضبي, وكان رجلاً صالحًا فقيهًا بارعًا في العلم وقتله بنو عبيد ظلمًا وزورًا. وبرز في المناظرة أبو محمد عبد الله بن التبان إلا أن أبا عثمان سعيد بن محمد الحداد كان أقدرهم في هذا الباب, فقد كانت له: «مقامات كريمة ومواقف محمودة في الدفاع عن الإسلام والذب عن السنة». أشهر مناظرات الإمام أبي عثمان سعيد بن الحداد: دعاه عبيد الله المهدي وبيَّن له عبيد الله حديث «غدير خم»: «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهو حديث صحيح, فعطف عبيد الله -لعنة الله عليه- فقال لأبي عثمان: فما للناس لا يكونون عبيدنا؟ فقال له أبو عثمان: أعز الله السيد لم يرد ولاية الرق, وإنما أراد ولاية في الدين, قال: فقال الله عز وجل: +مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ وَلَكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ وَلاَ`تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُوا الْمَلاَئِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ" [آل عمران: 80،79]. فما لم يجعله الله عز وجل لنبي لم يجعله لغير نبي, وعلي لم يكن نبيًا, وإنما كان وزير النبي ×, فقال عبيد الله له: انصرف لا ينالك أحد. ويذكر أن أبا عبد الله الشيعي قال له يومًا: القرآن يقر أن محمدًا ليس بخاتم النبيين. فقال له: في قوله: +وَلَكِن رَّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ" [الأحزاب:40] فخاتم النبيين ليس رسول الله. فقال له سعد: هذه الواو ليست من واوات الابتداء, وإنما هي من واوات العطف كقوله عز وجل: +هُوَ الأوَّلُ وَالآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ" [الحديد:3] فهل (من) أحد يوصف بهذه الصفات غير الله عز وجل؟ وتكلم (عنده) يومًا فغضب من كلامه رجل من كتامة يعرف بأبي موسى شيخ المشايخ وقام إليه بالرمح فمنعه أبو عبد الله من ذلك, ثم عطف على أبي عثمان فقال له: يا شيخ, لا تغضب أتدري إذا غضب هذا (الشيخ) كم يغضب لغضبه, اثنا عشر ألف سيف. فقال أبو عثمان: ولكني (أنا) يغضب لغضبي (الله) الواحد القهار «الذي أهلك عادًا وثمود وأصحاب الرس وقرونًا بين ذلك كثيرًا»( ), وقد جمع الله للشيخ سعد الحداد جهارة الصوت وفخامة المنطق وفصاحة اللسان وصواب المعاني, وكان عالمًا باللغة والنحو, وإذا لحن في لفظة استغفر الله عز وجل, وكان إذا تكلف الشعر أجاده. وذات مرة خرج لمناظرة «أبي عبد الله الشيعي» فخرج معه أهله وولده وهم يبكون فقال لهم: لا تفعلوا لا يكون إلا خيرًا, حسبي من له خرجت, وعن دينه ذببت. فلما دخل على الشيعي في قصر إبراهيم بن أحمد وكان حوله جماعة من أصحابه وجماعة مما ينسب إليهم العلم, سلم ثم جلس, فقال أبو عبد الله الشيعي لإبراهيم بن يونس وقد قيل له: إن هذا الشيخ كان قاضيًا على هذه المدينة: بأي شيء كنت تقضي؟ فقال له إبراهيم: بالكتاب والسنة. فقال له أبو عبد الله: فما السنة؟ فقال (له) إبراهيم: السنة السنة. قال أبو عثمان: فلما سمعته على قوله «السنة.. السنة». قلت لأبي عبد الله: المجلس مشترك أو خاص؟ فقال: مشترك. فقال أبو عثمان: أصل السنة في كلام العرب المثال الذي يتمثل عليه, قال الشاعر: تريك سنة وجه غير مقرفة مأساء ليس بها خال ولا ندب
أي صورة وجه ومثاله. والسنة محصورة في ثلاث: الائتمار بما أمر الله به رسوله ×, والانتهاء عما نهى عنه, والائتساء به فيما فعل. قال الشيعي: فإن اختلف عليك فيما نقل إليك عن النبي × وجاءت به السنة من طرق؟. فقلت له: انظر إلى أصح الخبرين نقلاً فآخذ بأصحهما, وأطلب الدليل علىموضع الحق في أحد الحديثين, ويكون الأمر في ذلك كشهود عدول اختلفوا في شهادة, فلابد من طلب الدليل على موضع الحق من الشهادتين. فقال الشيعي: فلو استووا في الثبات؟. فقلت له: يكون إحداهما ناسخًا والآخر منسوخًا. قال: فمن أين قلتم بالقياس؟ فقلت له: قلنا ذلك من كتاب الله عز وجل. قال: فأين تجد ذلك؟. قلت: قال الله عز وجل في كتابه العزيز: +يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنْكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ" [المائدة: 95]. فالصيد معلومة عينه, والجزاء الذي أمرنا أن نمثله بالصيد (المعلومة) عينه ليس بمنصوص فعلمنا بذلك أن الله تعالى إنما أمرنا أن نمثل ما لم ينص ذكر عينه: بالقياس والاجتهاد ومنه قول الله عز وجل: +يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنْكُمْ" [المائدة:95]. فلم يكله إلى حاكم حتى جعلها اثنين: ليقيسا ويجتهدا, فقال أبو عبد الله الشيعي: ومن ذوا عدل؟ وأومأ «ذوا عدل» إنما هم قوم مخصوصون بنص الآية. قال: فقلت: هم الذين قال الله عز وجل فيهم في آية المراجعة +وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ" [الطلاق:2] ومثل ذلك في تثبيت القياس قوله عز وجل: +وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ" [النساء:83] والاستنباط غير منصوص. ثم عطف (أبو عبد الله الشيعي) على موسى القطان فقال له: أين وجدتم حد الخمر في كتاب الله تعالى؟ فقال له موسى: قال النبي ×: «من شربها فاضربوه بالأردية, ثم إن عاد فاضربوه بالأيدي, ثم إن عاد فاضربوه بالجريد». فقال له أبو عبد الله على النكير منه: أين هذا؟ أقول لك أين وجدتم حد الخمر في كتاب الله تعالى, تقول: اضربوه بالأردية وبالأيدي ثم بالجريد؟. قال أبو عثمان: فقلت له: إنما حد قياسًا على حد القاذف «لأنه إذا شرب سكر, وإذا سكر هذى, وإذا هذى افترى, فوجب عليه ما يئول أمره إليه وهو حد القاذف»( ). فقال لموسى القطان: أو لم يقل النبي ×: «أقضاكم علي»؟ فساق له موسى تمام نص الحديث وهو «وأعلمكم بحلال الله وحرامه معاذ, وأرأفكم أبو بكر, وأشدكم في دين الله عمر» رضي الله عنهم أجمعين. فقال له الشيعي: وكيف يكون أشدهم في دين الله, وقد هرب بالراية يوم حنين؟. فقال له موسى: ما سمعنا بهذا ولا نعرفه. قال أبو عثمان: فقلت له: تحيز إلى فئة كما أنزل الله تعالى, قال الله عز وجل: +إِلاَّ مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ" [الأنفال:16]. (فمن تحيز إلى فئة) كما أمر الله عز وجل فليس بفار. فمال الشيعي بوجهه إلى بعض أصحابه فقال: أتسمع ما قاله الشيخ, قال: انحاز إلى فئة كما أمر الله سبحانه. فقال مجيبًا –هو يشير بيده- وأي فئة أكثر من رسول الله × وقد كان حاضرًا ولم يتحيز وكأنه تخافت في كلامه ويسمع من يليه. فقلت: جاء عنه × أنه قال: «عمر فئة فمن تحيز إلى عمر فقد تحيز إلى فئة» فسكت الشيعي( ). وسأل أبو عبد الله الشيعي أبا عثمان الحداد فقال: أفلا أوجب قول الله تعالى عند من سمعه: +وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ" [آل عمران:144] انقلاب أصحاب محمد ×. فقال له أبو عثمان: «لا»؛ لأن معناه أفإن مات أو قتل أفتنقلبون, علىأعقابكم؛ لأن معنى «أفإن مات»: استفهام, ومعنى «انقلبتم»: أفتقلبون والاستفهامان إذا جاءا في قصة واحدة اجتزئ بأحدهما عن الآخر, وهذا الاستفهام إنما هو في معنى ا
الموضوع الأصلي : ثورة قبيلة هوارة في طرابلس // المصدر : منتديات غربةالروح // الكاتب : benghazi |
| |
|
|
| .عنوان الموضوع : ( ثورة قبيلة هوارة في طرابلس ) | الأحد 9 ديسمبر - 17:04 | موضوع: رد: ثورة قبيلة هوارة في طرابلس | |
| توقيع العضو ; عاشقة الصداقة | |
|
| |
|
|
| | | بيانات اضافيه [+] | التسجيل : 26/04/2012 رقم العضوية : 689 الجنس : التقييم : 76 المشاركات : 1576 النقـــاط : 1655 السن : 30 البلد : |
|
| لوني المفضل : black |
|
|
|
|
| .عنوان الموضوع : ( ثورة قبيلة هوارة في طرابلس ) | الثلاثاء 11 ديسمبر - 15:01 | موضوع: رد: ثورة قبيلة هوارة في طرابلس | |
| |
| |
|
|
| كلمات دلاليه للموضوعع | |
|
| |
تعليمات المشاركة | لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
رموز المنتدى : متاحة
|
قوانين المنتدى |
| |
|
|