الظاهر غاية في الروعة والباطن آية في السوء
وتشدني
للهروب ، نسائم عليلة ، صافية كصفاء صباح يوم صيفي هادىء . وكعمقٍ لا
متناه لزرقة سماء تنظر ، ربما تستغرب أو تستنكر أن البشر ، اغلب البشر لا
يقدّرون جمال الصمت الخلاّق الذي يُجَنِّب السطحية ، ويدفع إلى التفكير
المنطلق نحو آفاق بعيدة ، ومفيدة.
وتشدني نسمات صيفية ناعمة . تناديني
: أن أتَفَرَّس بهذا الجمال الذي ليس له حدود ، وأن أتعمَّق بالهروب من
تعب الحياة ، ومن أنانية الإنسان ، ومن ملاقاة كثيرون أدمنوا حب الظهور في
كل ثانية بوجه ، وفي كل ساعة بلون ، وفي كل يوم بنصرَةِ اتجاه . هؤلاء
الذين نجحوا بحفر ذكراهم الواهنة على جدار الحياة وبألوان تلفت النظر ،
ولكن بمضامين خاوية ، لا معنى لها ، كزبد البحر لا يلبث أن يتلاشى . فالمجد
من وجهة نظرهم ، قد وصلوه ، ورنَّةَ دنانير الذهب ، قد سمعوها . لكنهم ومع
هذا وذاك ، لم يُذكروا ألا في ساعات معدودة ، ومن قبل أمثالهم الذين
رافقوهم ليواروهم التراب ماتوا . وماتوا .
حقول
شاسعة واسعة يكاد الناظر إليها أن يوقن أنها في نهاية المطاف ، تتحد مع
السماء . يكاد المرء أن يعيش الحيرة وهو يتمعن في لغتها المسموعة . لغة
الصمت ، والعُمق . وكلماتها البليغة التي ليس لها أصوات ، إلا أنها نَبَغَت
في إيصال جميع ما تريد الكلام عنه ، ربما بالسكون ، وربما بتمايل نباتاتها
، أو ربما بحفيف أوراق الأشجار الموزعة في قريب أو بعيد .
ترى
هل هي سنّة الكون ، أم هو إبهار الإبداع ، وحسن صنع الخالق ، أم هي روعة
وجمال المخلوق . أم هو برهان على أن الحياة لا زالت تزخر بكل مفيد وجميل ،
ولا زالت تُنعِمُ بالعطاء .
بعض
الناس يولدون ، ويعيشون ، ربما لزمن طويل . ويموتون لكن لا علامات تدل على
أنهم كانوا ، وكأن الحياة كانت عندهم عملٌ وتزاوجٌ وَعَبث . وبعض الناس
تكون حياتهم قصيرة ،لكنهم وعلى الرغم من مدّتها يتركون إرثا" معنويا" يثري
الحياة مئة عام ولربما المزيد . بشكل يعجز التأريخ ومعه الوقت أن يُحصيا
مآثرهم ومناقبهم . وهؤلاء ، يعيشون وإن ماتوا ، ويفرجون بعطائهم ، من خلال
استمرار الناس لذكرهم ، وإن فني الجسد . فالذكرى لا تموت .
وتشدني
نسائم عليلة وأنا اجلس على رابية ريفيّة تطلُّ على سهولا شاسعة واسعة .
وتستثيرني نظرات الزرقة السرمدية للسماء ، وهي تنظر إلى عالمنا وباستغراب .
البعض يرضى بما هو واقع . وآخرون يفضلون الرحيل . فالحياة لم تعد كما عهدوا في الحياة . ربما في الأخرى شيء للعيش جديد .
نَسوا . أو غاب عن فكرهم . أن الحياة لم تتغير . الإنسان هو الذي