سلام الله عليكُم ورحمته وبركاته
وبعد
فتلك سلسلة أقدمها في حلقات متواليات عن بلاغةالكلمة
في القرآن الكريم وهي من إعداد الشيخ الدكتور/ أحمد الكبيسي وقد أرهقني
بعض التصحيح والتنسيق فيها أردت طرحها في المنتدى لتتحقق منها الفائدة
للأعضاء والروَّاد وأسأل الله القبول بأن يُباركَ في العمُر والعمل حتى
يتحقق الأمل ..
والله من وراء القصد
منظومة أبّ
أب – والد
كلمة أب ووالد ومثلها كلمة أم ووالدة تدخل في نفس معنى هذه المنظومة.
أبّ :
كلمة
أبّ في القرآن الكريم لها معناها الخاصّ بها والذي يؤدي المعنى المطلوب في
الآيات القرآنية. وكلمة أبّ تدلّ على الأبوة بحكم تربية الأب لأولاده
والأبوّة هي باعتبار قدرة الإنسان على تربية أولاده ومسؤوليته عنهم ورعايته
لهم وكذلك الأم تُسمّى أماً باعتبار رعايتها لأولادها وتربيتها لهم
وقيامها بواجباتها نحوهم ولذا جاء في الحديث (الجنّة تحت أقدام الأمهات)
ولم يقل الوالدات.
والأبوّة
فيها اختلاف ولا يتساوى اثنين في أبوّتهم لأبنائهم فهناك الأب الحنون
والأب الظالم والأب المتسامح والأب المفرّط والأب الفوضوي وغيرهم إذن
فالأبوة غير منضبطة وهي أمر خاص بكل إنسان.
ويسمى
كل من كان سبباً في إيجاد شيء أو صلاحه أو ظهوره أباً ولذلك سمّي النبي
صلَّى الله عليه وسلَّم أبا المؤمنين ولهذا قال تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ) الأحزاب ـ ويُقال أبو الأضياف لتفقده لحالهم.
ويُسمى العم مع الأب أبوين (أَمْ
كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ
مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـهَكَ وَإِلَـهَ
آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَـهًا وَاحِدًا
وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ 133 ) البقرة ـ واسماعيل لم يكن من آبائهم وإنما كان عمّهم .
وكذلك الأم مع الأب (وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ) النساء آية 11 ـ والمقصود الأب والأم .
وكذلك الجدّ مع الأب (وَاتَّبَعْتُ
مِلَّةَ آبَآئِـي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا
أَن نُّشْرِكَ بِاللّهِ مِن شَيْءٍ ذَلِكَ مِن فَضْلِ اللّهِ عَلَيْنَا
وَعَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ 38) يوسف.
وكذلك تطلق كلمة أبّ على معلّم الإنسان كما في قوله تعالى (وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ) الزخرُف 23 بمعنى علماؤنا الذين ربّونا بالعلم (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا 67) الأحزاب .
وفي قوله تعالى (مَّا
كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ
وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا 40) الأحزاب ـ إنما هو نفي الولادة وتنبيه أن التبني لا يجري مجرى البنوة الحقيقية.
ويقال في اللغة أبوت القوم إذا كنت لهم أبا.
وكما
يقال للأب يقال للأم ولهذا قيل لحواء أمنا وإن كان بيننا وبينها أزمان
وأجيال عديدة. واستعملت كلمة الأم في القرآن لللوح المحفوظ (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ) الزُخرُف 4 ـ ولمكة المكرمة (وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) الأنعام 92 ـ وتُسمّى الفاتحة أم الكتاب. ومن لفظ الأم جاءت الأميّ أي كما ولدته أمه لا يقرأ ولا يكتب.
والد:
كلمة
والد في القرآن الكريم تعني كل من هو قادر على الإنجاب.وهي إذن باعتبار
قدرة الله تعالى في الإنسان بأنه سبحانه خلق في الإنسان القدرة على الإنجاب
ولا يفعل ذلك إلا ربّ. وأي رضل قادر على الإنجاب يُسمّى والداً وأي امرأة
قادرة على الإنجاب تُسمّى والدة.
إذن الوالدية منضبطة وفيها يتساوى كل القادرين على الإنجاب والكل ينجب بنفس الطريقة والكل متساوون من حيث كونهم والدين.
وليس كل والد أبّ وليس كل والدة أم.
ومن هذا المعنى لكلمة الأب والأم والوالد والوالدة نفهم الآن الحكم الشرعي في قوله تعالى (وَقَضَى
رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ
إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ
كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا
قَوْلاً كَرِيمًا 23 وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ
وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا 24) الإسراء آية ، لأن البِّر يجب أن يكون للوالدين الذين أنجبا مهما
حسنت تربيتهما لأولادهما أو ساءت ولو قال تعالى بالأبوين إحسانا لما استحق
كل الآباء والأمهات البِّر إذن الحكم الشرعي هو البر بالوالدين حتى لو لم
يُحسنوا تربية الأولاد وحتى لو جاهدا أولادهم على الشرك والمعصية.
وفي قوله تعالى (وَوَصَّيْنَا
الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ
وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ
الْمَصِيرُ 14) لقمان
ـ أنه عنى سبحانه الوالد الذي ولده وفي القرآن آيات كثيرة وردت فيها كلمة
والد وجاء الحثّ على رعاية الوالدين بعد الإيمان بالله والتوحيد لأنهما
كانا سبباً في إيجاد الأولاد ولهم عليهم حق الطاعة وإن كانوا كافرين أو
جاهدوا على الكفر بالله. وفي قصة مريم علها السلام وعيسى عليه السلام قال
تعالى في سورة مريم على لسان عيسى (وَبَرًّا بِوَالِدَتِي) مريم 32 وجاء في آية أخرى (وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ) مريم
75 ـ في وصف مريم عليها السلام لأنها أحسنت تربية عيسى عليه السلام وكانت
رائعة ومتفانية في تربيته فجاء بكلمة (أم) للدلالة على ذلك. وفي قوله تعالى
في سورة البلد (وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ 3 )
البلد ـ أقسم سبحانه بمطلق قدرته على جعل هذا المخلوق والداً يلد الأولاد
وهذا يشمل كل من هو قادر على الإنجاب وهو لفظ أعمّ من الأبوة.
والوالدية مُطلقة وعليه فيجب البر بالوالدين ولو كانوا مشركين أما الأبوة فهي خاصة وكل أب وأم تختلف تربيتهما لأولادهما عن غيرهم.
ومما سبق نلاحظ أنه بدون التفريق بين الكلمات وأخواتها في القرآن الكريم لا يمكننا الوصول إلى حقيقة الحكم الشرعي