بسم الله الرحمن الرحيم
مقام الحبيب المصطفى في القرآن الكريم
لا شك أن مكانة النبي محمد- صلى الله عليه وسلم - في القرآن الكريم تجعلُ المسلمين يخجَلون من عدم تقديره قدره اللائق به، فإذا كان هذا قدره عند المولى- عز وجل - وهذه مكانته بين الأنبياء والمرسلين؛ بل بين الملائكة المقربين.. فما بالنا نحن نجعل حبه عاطفة فارغة ليست حقيقية، فلو كانت حقيقية وعميقة لأنتجت أثرًا واضحًا في حياتنا من حِرصٍ على سنته واتباعٍ لملَّته، بينما هو- صلى الله عليه وسلم - يقول عنه ربه- عز وجل - حكايةً عن علاقته بنا: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتِّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) (التوبة: 128)؛ فهل بادلناه حبًّا بحبٍّ، وحرصًا بحرص؟! أعتقد لا.. فهل تدرون ما السبب؟!
إنه ضعف حبِّنا لله- عز وجل - ينبثق عنه كل ضعف، وعدم قدرنا لله حقَّ قدره ينتج عنه خللٌ في كل الموازين.. لقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم - تأصيلاً لهذه العاطفة، ودوامًا لها، وإنتاجًا لآثارها: "أحبُّوا الله لِمَا يعذوكم بهِ مِن النِّعم وأحبُّوني بحبِّ الله"، نعم ليدومَ ويُثمر لابد أن يكون له دافع قويٌّ ومؤثر ومنتج، حتى حبنا لله- عز وجل - لابد أن يكون اعترافًا بالفضل، وردًّا لبعض ما لله علينا من حقوق، ولقد عَرف رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أن حبَّ الله وشفقته لنا أعظم من حبه وشفقته هو- صلى الله عليه وسلم - فقد روي أنه- صلى الله عليه وسلم - ظل يدعو ربه حرصًا وشفقةً يقول: "يا رب أمتي.. "، فأرسل الله- عز وجل - له جبريل- عليه السلام - يقول له: "يا محمد، إن ربك السلام يُقرئك السلام، ويقول لك إن شئت جعلنا أمر أمتك إليك"، فقال له الرسول الشفوق على أمته العالم بربه: "لا يا رب أنت أرحم بهم منِّي".
شواهد على مكانته- صلى الله عليه وسلم - في القرآن:
أولاً: الرسول- صلى الله عليه وسلم - هو المخاطَب بكل القرآن، والشرف له كل الشرف أن يدوم هذا الخطاب ولا يفنى حتى بعد وفاته- صلى الله عليه وسلم - والنداء بداخل سور القرآن للحبيب المصطفى كان دائمًا بـ(يا أيُّها النَّبيُّ، (يَا أيُّها الرَّسُولُ، (يَا أيُّها المُزَّمِّلُ، (يَا أيُّها المُدَّثِّرُ... ؛ بل قسمًا منسوبًا إليه: (فَلا وَرَبِّكَ... ، لَعَمرُكَ... ، (لا أُقسِمُ بِهذَا البَلَدِ* وأنتَ حِلٌّ بِهذَا البَلَدِ... ?، وكلمات الود الإلهي الجميلة وآيات المواساة والحنان والعطاء والثناء الإلهي: (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ... ) (النساء: 65)، (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) (العلق: 1)، (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَإِنَّ لَكَ لأجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 1- 4)، (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى* مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى) (النجم: 1- 3)، (إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبْتَرُ) (الكوثر: 3)، (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ? َ(المسد: 1)؛ بل الدفاع الإلهي: (عَفَا اللهُ عَنكَ) (التوبة: 43)، (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (الشعراء: 3)، (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ) (الكهف: 6)، (مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى) (طه: 2)، (وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى) (الضحي: 1- 3)، (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (الشرح: 1)، (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ) (الإسراء: 1)، وأعطاه سورةً فيها منحة؛ إنها سورة الكوثر والعطاء الرباني بالفعل الماضي، فقد تم منذ الأزل أن أعطى- عز وجل - حبيبه- صلى الله عليه وسلم - الكوثر.. وسورة الفتح: (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا) (الفتح: 1)، ثم اصطحاب الآيات لرسول الله- صلى الله عليه وسلم - ليطلعه على آيات وعلوم الكون وعلم الدينا والآخرة وأخبار الأمم السابقة وما فعل الله وقصص الأنبياء: (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ، (أَرَأَيْتَ، (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الغَرْبِيِّ، (وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ، (مَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ، (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ?، (مَا كُنْتَ تَدْرِي?، (ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأصْحَابِ الْفِيلِ?، (ألَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ?، (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ) (الجن: 1)، وله أكثر من سورة باسمه خاصة- صلى الله عليه وسلم - محمد، طه، المدثر، المزمل (تسمية طه على بعض الأقوال)، وآيات التعهد للحبيب- صلى الله عليه وسلم - كي يرتقي في منازل السمو الموصلة للحب والقرب والطاعات: (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا) (الإسراء: 79)، (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طة: 114)، (وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ) (الكهف: 24)، (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (المزمل: ، (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعْلَى) (الأعلى: 1)، (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) (طه: 130).
ومكانته العالية التي لم يصل إليها أحد من المخلوقين: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) (الأحزاب: 56)، ورفع مكانته لتقرن بذكر الله، فإذا ذكر الله ذكر الرسول- صلى الله عليه وسلم - معه: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ) (النساء: 80)، (... اللهَ وَرَسُولَهُ... ?، "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله"، (إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ) (الفتح: 10)، (قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ) (آل عمران: 31)، (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ... ) (النساء: 65)، (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا) (الأحزاب: 57).
وبيوته- صلى الله عليه وسلم - هي منبع الأدب والأخلاق والتربية الفاضلة التي جمعت مكارم ومحامد السلوكيات في سورة سميت (الحجرات)؛ لتكون حجرات بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ومقام زوجاته- رضوان الله عليهن- هي منبع الأدب والفضائل لفتًا لأنظار الأمة لأهمية حياته في بيته- صلوات الله وسلامه عليه- ولأهمية البيت في نشأة الأجيال على الفضائل والسنن.
أستأذن حضراتكم في ذكر قصيدة لها معي ذكريات عندما كان يرددها على مسامعي الأخ الحبيب أ. "خالد بدوي" في سجن (طره) ملحقه نقلاً عن فضيلة الشيخ "عبد الرحيم البرعي" جزاهم الله خيرًا ونفعنا بصلاتنا على الحبيب المصطفى.
يا رب صلِّ على النبي وآله *** ما قال ذو كرم لضيف مرحبا
يا رب صلِّ على النبـي وآله *** ما كوكب في الجو قابل كوكبا
يا رب صلِّ على النبـي وآله *** ما لاح نجم في الكواكب أو خبا
يا رب صلِّ على النبي وآله *** ما غرد طير في السماء أو شدا
يا رب صلِّ على النبي وآله *** ما فاضت الأملاك من نفس الصبا
بـالله يا مـتلذذين بذكره *** صلوا عليه فما أحـق وأوجبــا