احضرت لكم اخوتي هذه القصه فوالله لها وقع كبير على القلب
وما وجدت اجمل منها رغم الكثير من القصص والعبر
لكن كان لها وقع كبير على قلبي أرجو ان تكون لها فائده لكم وعبره
نعتبر منها ونرجع الى الله بعدها
هذه قصة لرجل عابد زاهد لا يعرف أحد اسمه
وهذه القصة رواها ريحانة التابعين الإمام محمد بن المنكدر رضي الله عنه
وقد ذكرها الإمام ابن الجوزي عليه رحمة الله في كتابه القيم صفة الصفوة - الجزء الثاني في فصل (
ذكر المصطفين من عباد المدينة الذين لم تعرف أسمائهم)
وذكرها الإمام الذهبي عليه رحمة الله في كتابه النفيس سير أعلام النبلاء
في سيرة التابعي محمد بن المنكدر رضي الله عنه.
~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~~
كان لمحمد بن المنكدر رضي الله عنه
سارية في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم
وكان يقعد في المسجد بعد العشاء الآخرة
فقحط اهل المدينة في سنة
فخرج الناس يستسقون فلم يسقوا !
فلما كان من الليل جلس محمد بن المنكدر رضي الله عنه كعادته في المسجد
وكانت المساجد آنذاك خالية من السرج (أي المصابيح) التي تضيئ فتكشف شخص الإنسان
فلما صلى العشاء
جلس خلف السارية فجاء رجل أسود تعلوه صفرة متزر بكساء وعلى رقبته كساء أصغر منه
فتقدم إلى السارية التي بين يدي محمد بن المنكدر رضي الله عنه
وكان محمد ابن المنكدر خلفه والرجل لا يراه ويحسب ان المسجد خالياً من الناس
فجاء هذا العبد فوقف وقفه العز بالايمان واليقين , وكان ضعيفاً وكان فقيراً وكان لا يعرفه احد من الناس -لا يبالي به احد- ولكنه لله ولي ذو قلب رَضِي ّ
جاء في مسجد الحبيب صلى الله عليه وسلم ونصب قدميه وبسط يديه اللتين لم تتلوثا
بالذنوب والآثام
بسط يده الطاهرة وقال : اللهم إن اهل المدينة قد قحطوا
اللهم أقسمت عليك لا انزلت يدي حتى تسقط المطر
فقال الإمام : فنظرت إلى هذا متعجباً وقلت في نفسي مجنون
يقول الإمام :
فوالله ما أنزل يديه حتى نزل المطر وخاض الناس فيه
فبكى الرجل الداعي وهو لا يعلم ان هناك من يراقبه وناجا ربه ضارعاً قائلاً :
اللهم هذا منك لا مني
اللهم هذا منك لا مني اللهم هذا منك لا مني
ومن أنا وما أنا حيث إستجبت لي
ولكن عذت بحمدك وعذت بطولك
اللهم هذا كرم بفضلك لا بعملي
وأنت الكريم الجواد
ثم نصب قدميه قائماً لله رب العالمين حتى طلع الفجر
فأراد أن يخبئ عمله
فركع ثم سجد ثم جلس وقام للوضوء
كأنما يوهم الناس أنه إنما دخل المسجد الآن
وكان الإمام محمد ابن المنكدر يبحث عن الصالحين ليصحبهم
فقال محمد ابن المنكدر هذا الرجل الصالح في المدينة ولا أعرفه ؟!
والله لأتبعه وأتعرف عليه
وبعد صلاة الفجر خرج محمد بن المنكدر خلفه وتبعه
يرقبه يريد ان يصحب هذا الولي العظيم
فخرج خلفه وخاض في المطر خوضاً عظيماً
ولكن حيل بينه وبينه
لأن الرجل كان قد أسرع
والمطر قد عوق الإمام محمد بن المنكدر أن يلحق الرجل
فقال في نفسه :
سأنتظره في المكان الذي جلس فيه لا أعلمه بمكاني
ثم إنه لابد سيأتي
وصدق ظنه رضي الله عنه
وأتى الرجل في الليلة المقبلة وكان من عادته مثل الذي كان من ليلته الأولى
قام ونصب قدميه حتى أوشك الفجر أن يطلع
ثم ركع وسجد ثم ذهب للوضوء
يوهم الناس أنه إنما أتى الآن
فلما قام تبعه محمد بن المنكدر بعد انقضاء الصلاة
فذهب خلفه فعلم بيته
ثم جاءه بعدما تعالى النهار
فوجده رجلاً إسكافياً يخيط الأحذية والنعال
فأقبل عليه محمد بن المنكدر فقال السلام عليكم
فقال : وعليكم السلام يا أبا عبد الله مرحباً مرحباً
ألك حاجة أتريد أن أعمل لك خفا ؟!
وكان محمد بن المنكدر اسماً لامعاً يعرفه الناس جميعاً رضي الله عنه
كان عالماً ربانياً تقياً ورعاً زاهداً جليلاً رضي الله عنه وأرضاه
فذهب إليه وسلم عليه وقال له :
أأنت صاحب ليلة البارحة !!!
قال وما ذاك ؟!!
فاسود وجه الرجل واشتد غضبه ودارت عيناه وقال وما ذاك ؟؟!!
وقال : يا ابن المنكدر ما أنت وذاك ؟
يخاف الرجل أن يطلع احد على عمله
قال : ألست أنت الذي فعل كذا وكذا ليلة أمس
قحط الناس ودعوت الله فأنزل الله المطر !
فقال : وتفعل ذلك يا محمد بن المنكدر
تريد ان تفضحني
مالي وما لمحمد بن المنكدر
مالي وما لمحمد بن المنكدر
فلما رأى محمد بن المنكدر أن الرجل غاضب
وخشي أن يمسه شواظ غضبه
ولى وذهب وتركه وقال أتركه الآن حتى يهدأ , ما الذي أغضبه؟!
فذهب محمد بن المنكدر
فلما جاء الصبح جلس في المسجد حتى طلعت الشمس ثم خرج حتى أتى الدار التي كان فيها فإذا باب البيت مفتوح وإذا ليس في البيت شيء
فقال جيران الرجل لمحمد بن المنكدر رضي الله عنه : ما الذي فعلت معه إنك بعد إنصرافك من
عنده أخذ أحذيته وآلته ثم لم يدع في بيته جلدا ولاقالبا إلا وضعه في كسائه ثم حمله ثم خرج فلم ندر
أين ذهب ومضى وترك المكان كله وقال إني راحل عن بلدة كشف سري فيها
ثم قالوا: فقال أهل تلك الدار: الله بيننا وبين ابن المنكدر، أخرج عنا الرجل الصالح
قال محمد بن المنكدر :
فما تركت بالمدينة دارا أعلمها إلا طلبته فيها فلم أجده رحمه الله
انتهى
انظر يا أخي إلى هذه القصة العظيمة
قصة هذا الرجل العابد الزاهد التقي النقي الخفي
الذي لا يعرفه أحد من الناس ولا أحد يعرف من هو ؟
وحتى راوي القصة محمد بن المنكدر رضي الله عنه لا يعرفه ولا يعرف من يكون
ولكن ... كفى أن الله يعرفه !!!
وقد قيل : الأتقياء الأخفياء كفى أن الله يعرفهم
واختم الموضوع بهذه الاحديث العظيمة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( رب أشعث أغبر مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره )) رواه مسلم
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره)) رواه البخاري
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ".
رواه الترمذي
فاللهم اجعلنا من الأتقياء الأخفياء واحفظنا من الرياء والسمعة
واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه
============================