أحلام
كانت(أحلام) تلك الشابة الخجولة تعمل في مدرستي ك(فراشه)،وكثيرا ما كانت تلفت انتباهي خاصة عندما كنت اذهب في الصباح الباكر في البرد القارص في شهر يناير إلى المدرسة،واراها في مدخل المبنى الرئيسي بوجهها الشاحب ،وجسدها الضامر الذي يلفه جلباب لونه زيتي باهت،ترتديه طوال أيام السنة،وحذاءها ذو رقبة طويلة قديم ومهترء،والى جانبها كانت تضع وعاء اسود بلاستيكي،وفى يديها المرتجفتين تمسك الممسحة،تمسح سلالم ثلاثة ادوار لمبنيان متلاصقان، غير مهامها الأخرى من تنظيف حمام المعلمات إلى جانب حمام الطالبات،وإعداد الشاي والقهوة للمديرة والمعلمات أيضا.
وأكثر ما كان يجذبني فى(أحلام) عينيها الحزينتين الغائرتين داخل محجريهما من شده الضعف ،تجعلني أتسال فى داخلي،يا ترى ما سبب هذه المسحة الحزينة؟هل هو الفقر الذي يحبس الابتسامة ويقتل الفرح؟
وحينما تأتى فترة الاستراحة بعد الحصة الثالثة،كنت أراها أحيانا تحمل صينيه عليها أكواب شاي،وتتجه بها إلى غرفة المديرة او غرفة المعلمات،و رايتها فى إحدى المرات وهى جالسه فى الحجرة الخاصة بالفراشات تقرا كتاب ما، وفى الحقيقة أثارت( أحلام) إعجابي،فعلى الرغم من ضيق وقتها استطاعت أن تخلق بعض الوقت وتستزيد من العلم .
ومع مرور الوقت ازداد إعجابي بأحلام عندما عرفت من إحدى صديقاتي ان( أحلام) ملتحقة بالجامعة حتى تصبح معلمه للأطفال ،كم هو رائع الطموح عندما يدفعه الأمل والتحدي ،ولكنها على الرغم من ذلك لم تكن تبدو سعيدة بتحقيق هذا الانجاز،فلازالت الكآبة تغلف وجهها وتغتال ابتسامتها يوما بعد يوم،وفى الحقيقة أنا لم أراها تبتسم قط طوال أيام دراستي بالمدرسة.
ومرت الأيام و(أحلام) على حالها ما بين عملها في المدرسة وطموحها الجامعي ،حتى جاء اليوم الذى عرفت فيه حقيقة حزنها وتعاستها،فأحلام كانت متزوجة منذ أكثر من عشر سنوات ،وعلى الرغم من معاناتها الزوجية الشديدة أنجبت من زوجها ولد وبنت،ولكن سرعان ما تنكر لها زوجها ،وطلقها ،وطردها وأولادها من منزل الزوجية شر طردة، وحذف أسماءهم من قاموس حياته ، وأدار ظهره دون الشعور بأي ذنب،تاركا المسئولية فوق رأسها،بعد أن هاجر مع صديقته الأوروبية( آنا)،و انتقل الزوج وعشيقته،واستقرا في باريس مدينه النور .
وعندما أتذكر(أحلام) بوجهها الشاحب وأحزانها،تدور في ذهني أسئلة مختلفة منها: لماذا يترك الرجل الحلال ويلهث وراء الحرام؟ لماذا بعض الرجال تجرى في دمهم الخيانة؟ لماذا معظم الرجال عديمى المسئولية؟
وبعد عامين وصلتنى أخبارها بالصدفة..أخبار سعيدة ،لقد كافأتها الأيام..وجنت ثمار تعبها،وصارت معلمة متميزة فى إحدى المدارس ،قادرة على أن تعيل نفسها وأطفالها،هذه هى "أحلام" التى حولت عثراتها وأحزانها إلى سلم النجاح ترتقى إليه بصبر وإرادة لا مثيل لها .تحياتى فاطمة زكى
منقول