ومن الحب ما قتل
كانت طفله يتيمة ،عاشت طفولتها المريرة في المقابر عند عمتها العجوز البخيلة ،التي كانت تعمل قارئة قرآن على أرواح الأموات،و فى المقابل تأخذ حسنه أو بعض الطعام،وكانت العمة حريصة على جمع الأموال،لذلك شبت الفتاه وهي تعانى الجوع والحرمان،فكانت تنام علي الأرض الباردة ،وتتغطى بغطاء خفيف لا يقيها من البرد الشديد،وتنام بلا عشاء فى معظم الأوقات ،وترتدي ملابس ممزقه مهترئة ،وعلى الرغم من ظروفها السيئة إلا أنها استطاعت مع مرور الوقت حفظ بعض الآيات القرآنية على يد عمتها.
مرضت عمتها عدة أشهر،فأصبحت الفتاه تقرأ القران على روح الأموات وتأخذ حسنتها،وفي أحدى الليالي ،شعرت عمتها بألم فظيع في صدرها،صارت تأن بشده وتنادي على الفتاه،استيقظت الفتاه مفزوعة ،لا تدري ماذا تفعل،طلبت عمتها أن تشرب بعض الماء،
ثم أخرجت العمة من صدرها مبلغ من المال ،ووضعته في كف الفتاه وقالت بوهن:
خذي هذا المال ، انه كل المال الذي املكه،خذيه ،أن المال أهم شيء بالحياة ،وأمان من غدر الزمان،ثم فارقت الحياة.
شعرت (زينب ) بالحزن والمرارة الشديدة ، فقد أصبحت وحيده و يتيمة للمرة الثانية ،خاصة وهي ابنة الخامسة عشر من عمرها، دون أي خبره في الحياة ،تذكرت وصية عمتها، ،وواصلت عمل عمتها كقارئه قران علي الأموات، و أيضا ورثت عنها البخل والحرص الشديد على المال، استمرت حياتها قاتمة حتى ظهر شاب في حياتها ،يعمل كحفار للقبور، أحبته من كل قلبها ،واعتقدت انه يبادلها نفس مشاعرها البريئة، وكان في البداية معها رقيق مهذب ، يخرج معها و يدعوها لتناول ذره مشوي وترمس،تزوجها طمعا في مالها الذى ورثته من عمتها ،فقد صارحته بكل شيء عنها،إيمانا منها بأنهم أصبحوا شخص واحد،،ويجب ان يعرف عنها كل شيء ، وان المال الذى جمعته يبدو شيئا ثانويا فى سبيل الحب،مرت خمسة أ شهر سعيدة ،كانت في أول حياتهما الزوجية تطيعه طاعة عمياء،ففى البداية استولى على المبلغ الذى ورثته بحجة انه يريد ان يشترى دكان بقاله صغير،وبعد ذلك اخبرها انه يحتاج إلى رأس مال ليشترى البضائع،فأصبحت تعطيه المال القليل الذي يأتيها من قراءة القران ،لكن هذا المبلغ أصبح لا يكفي إدمانه للمخدرات،فأصبح سليط اللسان، يتطاول عليها بالضرب ،ويتهمها باللامبالاة و الغباء،وهكذا اكتشفت حقيقته الدنيئة تدريجيا.
وفي يوما أتي الزوج واخذ يطالب بما معها من مال ،وافتعل مشاجرة كبيره معها،وعندما اعترضت ،ورفضت أن تعطيه المال، اخذ يلطمها علي وجهها حتى فقدت توازنها وسقطت على الأرض،كان وجهها وفمها ينزف بشده ، وبالرغم من ذلك واصل ضربها بعنف ،كانت تشعر بالضعف وبالوهن الشديد ،فلم تستطع أن تقاومه ،وأعطته ما معها من مال قليل خرج مسرعا ليشتري المخدرات،وبعد يومين علمت أنه مات من جرعة مخدرات زائدة عن الحد،كانت تبكيه بحرقة فعلى الرغم من قسوته إلا أنها أحبته من كل قلبها ،وهكذا اختفى من حياتها إلى الأبد، ،وفى هذه السن الصغيرة أصبحت وحيده ...بلا أمل ...وبلا أمان ،حتى أنها في بعض الأحيان كانت تحسد الموتى على راحتهم .
مرت عشرين عاما ، ظهرت عليها ملامح الشيخوخة مبكرا،فكانت تبدو اكبر من سنها على الرغم من عدم تعديها سن الأربعين، فعينيها غائرتين ،ووجهها اصفر ،وجلدها متجعد مترهل ،لم تعد (زينب)تلك الفتاه البريئة المطيعة بل أصبحت قاسيه بخيلة على نفسها ،فكان حرصها على المال يزداد يوما بعد يوم،و أي نقود تكسبها لا تصرفها ،و إنما تجمعها وتكدسها معها،فالمال كان مهما بالنسبة لها لملء فجوة عدم الأمان بداخلها ،ومع مرور الأيام تدهور حالها حتى صارت تأكل من القمامة.
واستمرت فترة طويلة وهي على هذه الحال،حتى أتت في يوم ووجدت بيضه مسلوقة داخل صندوق القمامة،مدت يدها وأزالت الأوساخ من عليها ،والتهمتها ،ثم واصلت بحثها في صناديق قمامة أخرى ، ،جاءها شعور بالدوار ،وغثيان ،وضيق في التنفس، شعرت بألم فظيع يمزق أحشاءها،ارتمت على الأرض،وصارت تصرخ بصوت عالي ،تجمع الناس حولها،واخبرتهم انها تناولت بيضة من صندوق القمامة ،كانت تتلوى وتبكى من الألم،فأشفق عليها المارة ،ثم نقلوها إلى مستشفى القصر العيني و تركوها فى غرفة الطوارئ وأخبروا الطبيب أنهم وجدوها بجانب صندوق القمامة تتلوى من الألم بعد ان تناولت بيضه من القمامة ،وبدأ طبيب الطوارئ بالكشف عليها وكانت المفاجأة وجد حزام من القماش ملفوفا حول خصرها بعناية ملئ بمبلغ مالي يقدر بعدة آلاف وأثناء فحصه لها لفظت أنفاسها الأخيرة ،ضرب كفا بكف من شدة الاستغراب،وهو يتسأل كيف تتناول الطعام من القمامة وفى حوزتها كل هذا المال؟وترتدي هذه الملابس الرثة . استغرب بشده من حملها هذا المبلغ الكبير من المال بهذه الطريقة.... ،ولحظات وضج المستشفى بقصتها ... ،اتصل مدير المستشفى بالشرطة التي تحفظت على المال ،وكتب الطبيب أن سبب الوفاة حالة تسمم شديدة .
تم دفنها في المقابر التي نشأت فيها،وقص قصتها الحزينة أهالي المقبرة،وتم الإعلان عن اسمها فى المحكمة وان هناك مبلغ ستة وثلاثون ألف جنيه،وإذا كان هناك ورثه أن يتقدموا بالأوراق اللازمة التي تثبت القرابة ليستلموا المبلغ،مرت الأيام سريعا فى انتظار أي قريب ،ولكن لم يتقدم أحد لقبض المبلغ المعلن عنه ،فهى وحيدة بلا وريث ، وبعد شهرين كاملين تم تحويل كامل المبلغ إلى خزينة الدولة.
ودارت أحداث هذه القصة في مصر قبل أكثر من عشر سنوات ، ومبلغ كهذا كان من الممكن ان يمنحها حياه كريمة ،ولكن (زينب )كانت مجرد حارس على حفنه ورق ....ومن الحب ما قتل.
مع تحياتى
فاطمة زكى
منقوووووووووووووول