السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمالله غافر الذنب قابل التوب، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسولالله سيد الخلق أجمعين وأكرم المرسلين وخاتم النبيين وداعي المسلمينللتوبة والإنابة قبل يوم الدين....
أخي الكريم.. أختي الفاضلة..
من منا لم يذنب؟!، أم تُرى من منا لم تعرف الخطيئة طريقه؟!، أليست الزلات والهفوات من طبعنا؟!
إنإيماننا يزيد وينقص بلا شك، لكن يلزمنا أن نحافظ عليه بالثبات وإلزامنفوسنا الأمارة بالسوء بالجد، والتربص بها كل مقعد ومرصد، وإلا غلبناالهوى وتملكتنا الخطيئة.
فإن زلت قدمنا، وخسرنا معركتنا مع نفسنا والشيطان في إحدى هذه الجولات والنزلات، أنجزع ولا نرجع؟!
أم هل نضيع ولا نعود؟!
أنترك عقولنا وقلوبنا مطية للشيطان؟!، أنتركه يزيد من غفلتنا ويسوقنا سوقا إلى طريق المعصية ومن ثم الهاوية؟!
لاوكلا؛ فخير الخطائين التوابون كما ورد في الحديث: «كل بني آدم خطاء، وخيرالخطائين التوابون» [رواه الترمذي وابن ماجه وحسنه الألباني].
إنالله سبحانه جل في علاه، رغم غناه عنا وعن توبتنا، بل وعن الخلق جميعا،خيارهم وشرارهم، يفرح سبحانه بعودتك له وإقبالك عليه. فأي بشرى لك بعد ذلكأيها المذنب؟!
ثبت فيالصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لله أشد فرحا بتوبة عبده حينيتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليها طعامهوشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها – قد أيس من راحلته – فبينا هوكذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح اللهم أنتعبدي وأنا ربك – أخطأ من شدة الفرح –».
فلا تيأس بعد ذلك من رحمته، فهو الله الرحمن الرحيم، الذي لم تزَل الرحمة ملازمة له سبحانه، كتبها على نفسه، ووسعت كل شيء.
أسمِعتيومًا بمن سُمي "رحمن" أو "الرحمن"؟!، إنه اسم لله وحده، لا يشاركه فيهأحد، فاستشعر ذلك واطلب رحمته بانكسار وذل، إن أنت ألمت بك معصية أو خطيئة.
قال تعالى:
{قُليَا عبَاديَ الَّذينَ أسرَفُوا عَلَى أنفُسهِمِ لاَ تَقنَطُوا من رّحمَةالله إنَّ اللهَ يَغفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إنه هُوَ الغَفُور الرَّحيم} [سورة الزمر: 53].
أخي حفظك الله... أختي رعاك الله:
اعلم أن التوبة يلزمها انكسار للنفس، يصحبه ذل وخضوع لله القادر.
إنها تحتاج منك أن تستعين بالله تعالى فتعقد العزم في قرارة نفسك ألا ترجعللذنب مرة أخرى، وأن تكره ما كنت عليه، فإن خطر ببالك ذلك الذنب فاشمئزمنه، وإياك أن تتلذذ بذكراه، بل احمد الله أن طهّرك منه.
فمن تابت من السفور وتحجبت، فإياها أن تحن لشكلها السافر السابق. ومن كانحليقا ثم أكرمه الله باللحية فليتذكر دوما فضل الله عليه ولا يلتفت لنفسهإن نادته بتذكر شكله دونها وأنه أجمل وأصغر!
أخي الكريم.. أختي الفاضلة:
إياكومداخل الشيطان.. فليس أحب عليه من أن يعيدك لتلك المعصية، بكل وسيلةوطريقة، فهو يجري منك مجرى الدم، يظل يحاول بوسيلة وراء أخرى لإضلالك. فلاتتعذر بعدم مؤاخذة الله لما في نفسك إن لم تعمل به، فتجري بك التخيلاتوالخطرات كل مجرى. فلعل الفكرة تتحول عملا يتملكك كما يقول الإمام ابنالقيم رحمه الله تعالى: "وأما الخطرات فشأنها أصعب فإنها مبدأ الخيروالشر، ومنها تتولد الإرادات والهمم والعزائم، فمن راعى خطراته ملك زمامنفسه وقهر هواه، ومن غلبته خطراته فهواه ونفسه له أغلب . ومن استهانبالخطرات قادته قهراً إلى الهلكات"....
ويقول:"دافع الخطرة، فإن لم تفعل صارت فكرة، فدافعها، فإن لم تفعل صارت همّاًوغرادة، فدافع ذلك، فإن لم تفعل صار عملاً وسلوكاً، فدافع ذلك، فإن لمتفعل صار عادة وسجية!!".
وبالعودة لـ لعنوان إليكم هذه البشرى من الرسول صلى الله عليه وسلم:
عَنْأَبِي أُمَامَةَ رَضِيَ الله عَنْهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُعَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ صَاحِبَ الشِّمَالِ لِيَرْفَعُالْقَلَمَ سِتَّ سَاعَاتٍ عَنِ الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ الْمُخْطِئِ أَوِالْمُسِيءِ، فَإِنْ نَدِمَ وَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ مِنْهَا أَلْقَاهَا،وَإِلا كُتِبَتْ وَاحِدَةً» [أخرجه الطبراني، وأبو نعيم فى الحلية(6/124)، وأخرجه أيضًا: الطبراني فى مسند الشاميين (1/301 ، رقم 526)،والبيهقي فى شعب الإيمان (5/391 ، رقم 7051)، و الواحدي في "تفسيره" (4 /85 / 1)، وحسنه الألباني]. قال المناوي رحمه الله في (فيض القدير بشرحالجامع الصغير، 2/579 ): "«إن صاحب الشمال» وهو كاتب السيئات، «ليرفعالقلم ست ساعات» يحتمل أن المراد الفلكية ويحتمل غيرها، «عن العبد المسلمالمخطئ» فلا يكتب عليه الخطيئة قبل مضيها بل يمهله، «فإن ندم» على فعلهالمعصية «واستغفر الله منها» أي: طلب منه أن يغفرها وتاب توبة صحيحة«ألقاها» أي: طرحها فلم يكتبها، «وإلا» أي: وإن لم يندم ويستغفر، «كتبت»يعني كتبها كاتب الشمال «واحدة» أي: خطيئة واحدة، بخلاف الحسنة فإنها تكتبعشرا {ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [سورة البقرة: 178]"انتهى كلامه. ولذا بوّب الإمام الهيثمي رحمه الله في (مجمع الزوائد،10/207) على هذا الحديث بقوله: (باب العجلة بالاستغفار).
ولكن اعلم يقينا أنك لا تملك تلك الساعات الست، بل لا تملك الثانية القادمة من عمرك فلا يغرنك طول الأمل ولتسارع بالتوبة..
لا أود الإطالة عليكم فالغرض من المقال تحقيق ثلاث نقاط هامة:
- أولاهم: العجلة بالتوبة والاستغفار. يقول سبحانه:
{سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِالسَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِالْعَظِيمِ} [سورة الحديد: 21].
ويقول تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍعَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} [سورة آلعمران: 133]...
فمن منا يضمن أن ينتظره الموت حتى يتوب؟!
- ثانيهم: أن تعلم يقينا أن لك ربا يغفر ويرحم لا يترك عبده؛ فبابه سبحانه مفتوح لكل من طلبه وناداه وتاب إليه وناجاه.
- أما النقطة الثالثة فهي كراهية الحال الذي كنت عليه وقت المعصية وقبلالتوبة، وإن كانت قد تركت في نفسك لذة يسوقها الشيطان لك وعليك، فاعلمأنها لذة وقتية تعقبها خسارة أبدية إن لم يتبعها توبة، فرُب لذة ساعةأعقبها ألم دهر.
ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
ربنا أعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.