لُخلوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
إن عبادة الصوم عبادة فريدة
من نوعها، سواء في طريقة إتيانها أم في تحصيل ثوابها،
أما في طريقة إتيانها فهي عبادة سلبية، بمعنى أنها تقوم على المنع والكف
والحبس، وليس ذلك في عبادة غيرها، وأما في تحصيل ثوابها فهذا يوضحه قول
الله عز وجل كما جاء في الحديث القدسي :
{ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
في حديثه القدسي
كُلُّ
عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ
لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ
صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثُ وَلَا يَصْخَبُ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ
أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ
وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ
عِنْدَاللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ
فَرِحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ ، وَإِذَا لَقِيَ
رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ }.
رواه البخاري .
والحق أن
الصوم وإن كان ما له من المقاصد والحكم،
إلا أن تحقيق التقوى يظل هو المقصد
الأهم، والحكمة الأولى، وهذا أمر
واضح للعيان من خلال آيات الصيام بقوله:
(كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)،
والآية الأخيرة بقوله تعالى :
(كذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ
لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، وقد
أحسن ابن القيم حين قال عن الصيام: فهو لجام
المتَّقين، وجُنَّة المحاربين، ورياضة
الأبراروالمقرَّبين .
وفي الحقيقة أنني كنت في شبابي أتحرج كثيراً من ذكر حديث الصيام
المشهور والذي ذكرته قبل قليل .
لماذا؟..لأن هذا الحديث حفظناه صغاراً
من على المنابر ومن كثرة ترديده في كافة وسائل الإعلام..والمشكلة
كانت تكمن في نطق بعض الكلمات في الحديث خطأ الأمر الذي أدى
معه إلى تغيير المعنى تماما وبناء عليه تم إثبات صفة لله جل
علاه في الحديث لم يثبتها سبحانه
وتعالى لنفسه،وعليه فلقد أنشئوا واقعا ترتبت عليه
أحكاماً فقهية خطأ وكلها تتعلق بالصيام .
إذن فأين يكمن الخطأ..إنه يكمن في
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَاللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ )..
حيث قرأ المشايخ الحديث من فوق المنابر
وفي الفضائيات خطأ فقالوا(لَخَلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ )..
وبهذا أخرجوا الحديث عن معناه
المقصود ..إذ أن معنى الخَلُوفُ بِفَتْحِ الْخَاءِ هو
المُخَلّف هو المتروك في المكان خلف الخارجين من البلد وهو مشتق من الخلف
وضده المقدم ..
قال تبارك وتعالى
(سَيَقُولُ لَكَ
الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الأَعْرَابِ
شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ
بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ
فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا
إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ
بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
الفتح: 11
وقال تبارك وتعالى:
( سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا
انطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ
أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا
كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ
بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا
) الفتح:15 .
وقال تبارك وتعالى
(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَ ضَاعُوا
الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِۖ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيًّا)
من سورة مريم :59
وقال تبارك وتعالى
( رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطُبِعَ
عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ )
التوبة87
( إِنَّمَا السَّبِيلُ
عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاء رَضُواْ
بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ وَطَبَعَ
اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ)
التوبة93
رضي هؤلاء المنافقون لأنفسهم
بالعار, وهو أن يقعدوا في البيوت مع النساء والصبيان
وأصحاب الأعذار, وختم الله على قلوبهم; بسبب نفاقهم وتخلفهم عن الجهاد
والخروج مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سبيل الله,
فهم لا يفقهون ما فيه صلاحهم ورشادهم .
الخوالف هم المنافقون والمعذرون
والمخلفون الذين تخلفوا عن الجهاد والخروج في سبيل الله
مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
والخوالف قد وصموا أنفسهم بالعار
حينما رضوا بالقعود في البيوت مع النساء والصبيان وأصحاب
الأعذار, فختم الله على قلوبهم بسبب نفاقهم وتخلفهم عن الجهاد والخروج
مع رسول الله . صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذن
[b]فالخَلْفُ صفة ذم كيف تنسب إلى الله العزيز الحميد .