أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
كفى صراخًا وتعاركًا، أريد لعبة مثله، لقد مزّق دميتي الباربي، لقد كسّرت سيارتي. أبناء يشتكون بعضهم، فكل واحد منهم محق في طلبه ويشعر بالغبن لأن والده سمح لأخته بما منعه عنه. إنها الغيرة، ما أسبابها وماذا على الأهل القيام به ليخففوا وطأتها وتكون طبيعية؟ و هل تحدث غيرة بين الأخ وأخته؟ لها التقت الاختصاصية في علم نفس الطفل دانيال بيشون التي تحدّثت عن أسباب الغيرة عند الأبناء ومتى تكون طبيعية ومرحلية ومتى تكون مقلقة.
في البداية تقول بيشون: الغيرة بين الأخوة، ظاهرة طبيعية جداً، لذا من الضروري أن يتوقعها الأهل. عموماً يعتبر الطفل البكر في العائلة أكثر الأبناء الذين ينتابهم شعور الغيرة. فهو اعتاد أن يكون المميز في العائلة ويحوز اهتمام والديه الكبير لأنه الطفل الأول، وبالتالي يشعر بأن حبهم له واهتمامهم به حقان حصريان له لا يجوز لأحد غيره أن يشاركه فيهما.
ولكن تجري الأمور بما لا يشتهيه هذا الطفل البكر ويأتي المولود الجديد الذي يشاركه كل الامتيازات التي كان يتمتع بها. وكلما كانت سن الطفل صغيرة كان أكثر حاجة إلى والدته وبالتالي أكثر غيرة من شقيقه الأصغر. فهو إذا كان في سن السنة ونصف السنة يكون لا يزال يعتمد على والدته في كثير من الأمور. وفي المقابل ينال المولود الجديد الكثير من اهتمام والدته، فيشعر البكر بأنها لم تعد تحبه كما في السابق وبأنها لا تهتم به كما كانت قبل أن يأتي هذا المخلوق الغريب. كما أن لتصرف الأم دوراً في الأمر فهي إذا لم تعد تهتم به وكرّست كل وقتها لمولودها الجديد فمن الطبيعي أن تعزز، وعن غير قصد، شعور الغيرة عند الابن البكر. لذا فإن فارق السن المناسب بين الأشقاء هو سنتان ونصف.
لأن الطفل في هذه السن يصبح مستقلاً في بعض الأمور، فهو يستطيع مثلاً تناول الطعام وحده من دون مساعدة والدته، أو يمشي وحده، ولكن في الوقت نفسه لم يعتد على وجود طفل آخر منافس له.
- ماذا على الأهل أن يفعلوا تجاه غيرة الأبناء؟ للأسف غالباً ما يتجاهل الأهل شعور الغيرة عند الابن البكر، فيقولون: لا يجوز لك الغيرة من أخيك وعليك أن تحبه وعليك وعليك.... هذه العبارات تعزز شعور الغيرة عند الطفل. وأحياناً يرفض الأهل الظن أن ابنهم يغار فيقولون: لا ليس غيوراً. من المؤكد أنه لا يغار من أخيه، بل على العكس هو يحبه، بل عليه أن يحبه. وهم بهذه العبارات لا يسمحون للطفل بأن يعبّر عن غيرته، بل يجعلونه يكبتها وبالتالي تتعزز في داخله، لأنه يشعر بالذنب، فهو مثلاً يرغب في ضرب أخيه الصغير، ولكنه في الوقت نفسه يشعر بالذنب لأنه يريد ذلك. فيقول لنفسه: كم أنا شرير، أريد أن أعض أخي أو أؤذيه. وبالتالي يظن أنه شرير لأنه يغار وبالتالي تنتابه أحاسيس سلبية لأنه من غير المسموح له التعبير عن غيرته.
- هل الغيرة بين الأخ والأخت تكون أقل حدة نظرًا إلى اختلاف الجنس؟ الغيرة بين الأبناء، بغض النظر عن جنسهم، موجودة وظاهرة طبيعية، والعراك بين الأخت والأخ أحد مظاهرها. ولكن إذا كان المولود من الجنس نفسه تكون الغيرة أقوى. فمثلاً إذا كان المولود الجديد بنتاً يشعر الولد بأنه ليس مهدداً، فالتعامل معه مختلف، كما أن كل ما يتعلّق بها مختلف (الملابس، الألعاب...)، أما إذا كان ولداً، فيشعر بأن في إمكان هذا المولود الصغير أن يحتل مكانته في العائلة، وبالتالي سيشاركه في امتيازاته إن لم يأخذها كلها.
- ماذا على الأم أن تفعل حين يتحوّل البيت إلى مكان صراخ وعراك مستمرين؟ تحاول بعض الأمهات منع العراك في المنزل لتحوز الهدوء بأي ثمن، فيما بعضهن يلعبن دور الوسيط، ويبرمن اتفاقًا ودّيًا مع أبنائهن. وهذا ليس حلاً، لأن المشاجرات بين الأخوة يمكن أن تكون مجدية تربويًا، فالغيرة شعور ضروري يسمح للأبناء بالتعبير عن شخصياتهم وبلورة إندماجهم الإجتماعي. فمن خلال المشاجرة يتعلم الأبناء تعديل تكتيكاتهم ويختبرون حدودهم، مما يدفع كل واحد منهم إلى تطوير مهاراته وتقويم قدراته بشكل أفضل، فيتمتع كل واحد منهم في المستقبل بشخصية مميزة عن أخيه.
- هل هذا يعني أن على الأم أن تسمح بالشجار ؟ إذا بالغ الأبناء في الشجار وأصبح الوسيلة الوحيدة للتواصل، فهذا مؤشر لوجود مشكلة كبيرة وعلى الأم استشارة اختصاصي.أما إذا كان لا مفر من أزمة الغيرة، فهي تبني شخصية الأبناء. فوجود أخوة وأخوات في العائلة هو بحد ذاته تعليم معنى الحياة في المجتمع، وتحديد للمكانة التي يشغلها الإبن أو الإبنة في مفهوم الأخوة. ومع ذلك على الأم ألا تتجاهل التنافس بين الأبناء وغيرتهم، فإذا كان الفارق بينهم سنة أو سنتين تكون أزمة الغيرة طبيعية وعابرة، بينما إذا كانت تتخطى الثلاث سنوات مما يعني أنها مرحلة الدخول إلى الحضانة، فإن قدوم مولود جديد قد يجعل الغيرة حادّة، لذا ينصح بعض أطباء الأطفال أن يكون فارق السن بين الإبن البكر والمولود خمس سنوات، فغريزة العدائية تزول عندها وتترك مكانًا للحنان، وفي المقابل يكون الإبن البكر قد حاز وقتًا استمتع خلاله بأن يكون طفلاً مدللاً، فضلاً عن أنه كوّن صداقات له في المدرسة ويقبل بسهولة أن تهتم والدته بأخيه أو أخته.
- قبل استشارة اختصاصي، هل هناك وسيلة تتبعها الأم للتخفيف من حدة الشجار والعراك في المنزل؟ عليها في البداية ألا تتردد في مشاركة كل طفل في نشاط معين، فهذا يجنب أحدهما الشعور بأنه الشرير الصغير، ويساعده في اكتساب هوية خاصة به. كما يمكنها أن تعالج الغيرة بأخذها في الاعتبار طباع كل ابن وتجنب المقارنة بينهم لأنها تعزز الغيرة، كما عليها ألا توفر الأشياء نفسها لجميع أبنائها بل عليها أن تدرك أن لكل ابن من أبنائها بغض النظر عن جنسه متطلباته وحاجاته الخاصة كل بحسب شخصيته. وأخيرًا عليها ألا تتدخل في شكل دائم عندما يشب الشجار بينهم، بل عليها تركهم يحلّون أمورهم بنفسهم، مما يكسبهم مهارات مفيدة مثل المساومة والمفاوضة. هذا قد يتعب الأم ولكنه بنّاء على المدى الطويل. وأذكّر بأنه إذا زاد الشجار بين الأبناء عن حدّه وأصبح سلوكًا عدائيًا إلى حد الضرب والأذى الجسدي على الأم استشارة اختصاصي نفسي، فالمشكلة تكون أكبر من أزمة غيرة عابرة.
وعلى العكس تقلق بيشون من الطفل الذي لا يغار وتقول: من الطبيعي أن يشعر الطفل الذي يلاحظ اهتمام أمه بأخيه الرضيع بالغيرة ويتمنى أن يكون مكانه، ويقول علناً سوف أتخلص منه كي أحوز ما يحوزه فهذه العبارة عادية لأنه عبّر بها عن غيرته، وفي الوقت نفسه عن حاجته إلى الشعور بالطمأنينة. وتتلاشى هذه الغيرة عندما يعرف الأهل كيف يعدلون في توزيع اهتمامهم بين الابن البكر والمولود الجديد ويمنحون الأوّل الطمأنينة. أما الطفل الذي لا يعبّر عن غيرته، فهناك احتمال أن يتعزز هذا الشعور في داخله، في الوقت الذي يظن الأهل أنه ليس غيورا، وإذا قيل لهم إنه يغار لا يتقبلون الأمر بل يؤكدون أنه مستحيل أن يغار، وغالباً ما نسمع أماً تقول لابنها: أنت ولد جميل لأنك لا تغار من أخيك. وكأنها تقول له ممنوع عليك أن تغار وبالتالي لا تسمح له بمواجهة هذا الشعور فتصبح الأمور أكثر تعقيداً. والعدوانية الظاهرة في السلوك هي انعكاس لمشاعر الغيرة، كأن يضرب أخاه أو يرفسه، فهذه العدوانية إذا لم تظهر فإنها تبقى في داخله، مما يفسر التصرفات النكوصية للطفل.
فبعضهم يتصرف كما المولود الصغير كأن يبوّل في سريره أو يرغب في شرب الحليب بالقنينة ويتحدث كما الطفل الصغير جداً، أو يدعي أنه لا يعرف ارتداء ثيابه وحده... فهناك تقليد واضح للرضيع. فلكي يكسب حب أهله واهتمامهم يروح يتصرف كما الطفل الرضيع. وأحياناً يحاول الطفل أن يجد أعذاراً ليبقى مع والديه كي لا يترك هذا المولود الجديد وحده مع والدته. ومن إشارات الغيرة أن يعاني الطفل آلاماً عضوية. مثلاً قد يصاب بآلام في المعدة أو بالحرارة المرتفعة، وهنا نتحدث عن اضطرابات نفسية عضوية فهو يحاول المستحيل لإيجاد الأعذار التي تبقيه في المنزل. لذا فإن الطفل الذي لا يستطيع التعبير عن غيرته قد يصاب بأعراض مرضية جسدية.
وتشير الاختصاصية إلى أن هناك من الأهل من يظن أن إهمالهم الرضيع الصغير يخفف من حدة الغيرة، وهذا خطأ لأنه يعززها فعندما يقول الأهل: أننا لا نحبه قد تكون رد فعل الطفل على عكس المتوقع، فهو سيفعل أي شيء لكي يحافظ على اهتمامهم وحبهم له وحده.