الثقوب السوداء
للتسهيل نفترض أن الكون بالأساس لا يحتوى سوى الأرض ولا شئ غيرها...لو كانت الأرض وحدها سيكون سطحها مظلما وشديد البرودة لأنه لا شمس هناك...ومع ذلك سيكون جوفها ساخن بسبب الطاقة الحركية الناجمة عن الجسيمات التى إجتمعت لتكون الأرض...وسوف تتسرب الحرارة بمعدل بطئ للغاية مخترقة الطبقات الصخرية...ولكن حرارة الأرض ستتجدد بإستمرار نتيجة إنشطار المواد المشعة بداخلها.
اليورانيوم والثوريوم والبوتاسيوم...ولأن اليورانيوم أعلاها فسوف يشكل زهاء 90% من طاقتها....واليورانيو 238 فترة عمر النصف له نحو 4.5 بليون سنة!!...أى أن الأرض حاليا تملك نصف ما كانت تملكه من اليورانيوم لحظة تكونها.
وبعد نحو 30 بليون سنة لن تحتوى سوى على 1% منه فقط.أى أنه فى كل الأحوال سوف تبرد الأرض...حتى تقترب حرارتها من الصفر المطلق.
الآن لنترك الأرض...وننظر للكواكب الأخرى...نوسع خيالنا ونتصور أن الكون يتكون من مجرات كاملة من الكواكب فقط ...بالتأكيد مصيرها جميعا سيكون كمصير الأرض...وكلما كان الكوكب أكبر حجما...كانت حرارته الكامنة أعلى وبالتالى إستغرق وقتا أطول ليبرد...فمن المتصور أن يستغرق كوكب بحجم المشترى 30 ألف بليون سنة!
بالتأكيد خلال هذه الفترة الطويلة جدا..قد يحدث ما يعكر صفو عملية التبريد الأبدية تلك..فبالطبع قد يحدث تصادم هنا أو هناك بين أجسام ضئيلة وأجسام أكبر...من شأن هذه التصادمات أن ترفع من درجة حرارة الكون مؤقتا...ولكنه سيعاود التبريد...وبتعميم هذه الظاهرة..نرى على المستوى الزمنى الكبير جدا... الأجسام الضخمة تنمو على حساب الأجسام الضئيلة .....ومع مرور الزمن يزداد عدد الأجسام الضخمة ويقل عدد الأجسام الضئيلة!
وقد يصل الأمر بجسم ضخم كالمشترى أن تكثر التصادمات معه بالحد الذى يسمح له بتفاعل نووى بسيط...
وكأن هناك نجم صغير جدا بدأ ينمو
إذن ربما بعد نحو 50 ألف بليون سنة سيكون الكون عبارة عن مليارات الكواكب الباردة مع ألوف قليلة من النجوم شديدة الخفوت التى ستبرد أيضا
الآن لنترك شأن الكواكب ونتحدث عن واقع النجوم الموجودة حاليا فى الكون... ما مصيرها بعد هذا الزمن الطويل جدا؟
النجوم تتسم مجالات جاذبيتها بأنها أعلى كثيرا من الكواكب..وبالتالى تسمح لها بأن تنسحق أنوية الذرات بها فيؤدى لإشتعالها ذاتيا...ولو كانت الجاذبية هى الوحيدة المؤثرة عليها لإنقبض النجم على نفسه فى بداية تكونه...لكن الذى يحدث أن الإشتعال النووى ينشأ عنه حرارة هائلة جدا وكم هائل جدا من الفوتونات..فالضغط الإشعاعى والحرارة الناتجان يعملان على تمدد النجم بحيث يبقياه فى حالة إتزان مع جاذبيته...ومع الوقت يستهلك النجم وقوده النووى.
النجوم المفردة كالشمس تتحول نهاية حياتها إلى متقزمات بيضاء...وهى عبارة عن حطام ذرات...ولكن الإلكترونات تتحرك فيها بحرية مطلقة..والتنافر بين الإلكترونات مع البروتونات هى ما يحافظ على المتقزم من الإنهيار على نفسه...ما لم يتعرض لظروف خارجية ( كإكتساب كتلة من قرين).
النجوم الأكبر من الشمس تتعرض لحوادث أعنف مخلفا بلسار...فى هذا النجم حتى قوى التنافر الإلكترونى لا توقف إنقباضه على نفسه...فتنسحق بروتوناته مع إلكترونات متحولة إلى نيوترونات...هذا النجم بنيته كاملة من النيوترونات...وكأنه نيوترون كبير جدا.
النجوم ذات الكتل الفريدة الأعلى كثيرا جدا من الشمس...تتخطى ذلك بشكل مباشر مكونة ثقوب سوداء.
تتسم الثقوب السوداء أنها كالكواكب غير مضيئة بذاتها...أما المتقزمات البيضاء والنجوم النيوترونية تطلق موجات من الضوء المرئى...بل إن كثافة الإشعاع بالنسبة لوحدة المساحة قد تزيد عن النجوم العادية....ولكن نظرا لضآلة المساحة الضوء ككل ضعيف جدا.
شكل مبسط جدا يوضح كيفية تطور النظم الثنائية فى النجوم
أى أنه بعد نحو 100 بليون سنة (7 أمثال عمر الكون حاليا)....ستكون مجرة كدرب التبانة منطقة شبه مظلمة...فالكواكب باردة تماما...والنجوم إما تحولت إلى متقزمات بيضاء أو نجوم نيوترونية أو ثقوب سوداء...لا ننسى أنه حتر بريق المتقزمات البيضاء سيكون قد ضعف جدا..بحيث تصبح متقزمات معتمة تمام...كما أن النجوم النيوترونية سيقل جدا معدل دورانها حوا نفسها...بل قد تتوقف نبضاتها تمام!!
ولكن قانون الجاذبية العام سيظل ساريا ...فال 200 بليون نجم الخاصة بدرب اللبانة...ستظل تدور حول مركز درب التبانة فى سكون وظلام مهيب!!
ومع بلايين إضافية م السنين..ستتطفل الأجسام الكونية على بعضها...فتحدث تصادمات بينها..خاصة مع وجود عدد كبير من الثقوب السوداء الجوالة بينها...وقد تزيد كتل المتقزمات البيضاء فتنفجر مخلفة نجوم نيوترونية....وقد تزيد كتل نجوم نيوترونية فتنفجر مخلفة ثقوب سوداء...أى أن الكون قد يعاود البريق مرة أخرى...ولكن هيهات أن يغلب هذا الخفوت السكون والظلمة المحيطة بالكون.
ولو إتسع خيالنا لنحو بليون بليون سنة....فسيتحول الكون بلاشك إلى مجموعات من المجرات...كلا منها لا يتكون إلا من ثقوب سوداء فقط!
لن يتوقف الأمر عند هذا الحد....فالثقوب السوداء كائنات طفيلية بطبيعتها...هى كالأسماك...يلتهم الكبير منها الصغير..هذا ما سيحدث بلاشك!
فعلى الأرجح سيكون أضخم ثقب أسود فى كل مجرة...هو ذلك الثقب الأسود السوبرمجرى فى مركزها....أما الأقزام...فسيتحد العشرات وربما المئات أو الآلاف من كل مجموعة مكونة ثقب سوبرمحلى ..كل ثقب سوبرمحلى يصل لحجم الثقب الأسود الموجود الآن فى مركز المجرة.
هذه الثقوب السوبرمحلية...ستدور حول الثقب السوبرمجرى المجرى..ولو إقترب ثقبان سوبرمحليان من بعضهما..فقد يتيح ذلك لكمية التحرك الزاوى بينهما فرصة كافية للعمل...بحيث يكتسب أحدهما قدرا من كمية التحرك يبعده أكثر عن مركز الآخر....ويفقد الآخر قدرا يجعله يسقط فى قلب الثقب السوبرمجرى!!
وهكذا دواليك حتى نصل لنحو بليون بليون بليون سنة...فلا تتكون كل مجرة إلا من ثقب أسود سوبرسوبرمجرى...وعشرات فقط من الثقوب السوداء السوبرمحلية
ولأن الكون يتكون أساسا من تجمعات مجرية...فمثلا درب اللبانة هى جزء من تجمع مجرى أعلى يسمى المجموعة المحلية به نحو 31 مجرة
المجموعة المحلية
فمن المتوقع أن كل تجمع سوبر مجرى..سينشأ عنه ثقب سوبرسوبرمجرى أعلى يدور حوله عشرات فقط من الثقوب السوبرسوبرمحلية
فى هذه المرحلة تكون الثقوب معزولة بشكل تام عن بعضها...وقد تصل كتلة الثقب المركزى إلى ضعف كتلة درب اللبانة!!...ولأن الكون مستمر فى التمدد..فسيتحول إلى مناطق شاسعة من الظلمة والسكون والبرود..لا يربطها أى رابط إلا الصمت!
فهذه التجمعات السوبر ثقبية سيسير كلا منها وفق قانون تمدد الكون..ولو حدث أن إنفلت ثقب سوبرسوبرمحلى...فسيضيع هائما وحيدا فى ظلمة الكون
أى أن التغير الوحيد المتوقع بعد نحو بليون بليون بليون سنة من عمر الكون...هو التمدد فقط!!
ولكن يظل السؤال
هل الثقوب السوداء هى نهاية المطاف حقا؟
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي
وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا