أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
للشيخ صالح آل الشيخ المسلمون صنفان: سلفيون، وخلفيون. أما السلفيون: فهم أتباع السلف الصالح. والخلفيون: أتباع فهوم الخلف، ويسمون بالمبتدعة، إذ كل من لم يرتض طريقة السلف الصالح في العلم والعمل، والفهم والفقه فهو خلفي مبتدع. والسلف الصالح: هم القرون المفضلة، وعلى رأسهم وفي مقدمتهم صحابة رسول الله -رصي الله عنهم- الذين أثنى الله عليهم بقوله:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً} [الفتح: 29] الآية.وأثنى عليهم رسول الله بقوله: «خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم»(1). وتتابعت أقوال الصحابة أنفسهم، والتابعين لهم بإحسانٍ على الثناء على مجموعهم، والاقتداء بمسالكهم. قال ابن مسعود -رضي الله عنه-:«من كان منكم متأسياً فليتأس بأصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- فإنهم كانوا أبرّ هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، فإنهم كانوا على الهدى المستقيم»(2). وهذا أمر مجمع عليه بين أهل السنة، لا يخالف في ذلك منهم مخالف، وإذا كانوا على مثل هذا الفضل العظيم فلا غرو أن يتشرف المسلم بالانتساب إلى طرائقهم في فهم الكتاب والسنة، وتفسيرهما، وعملهم بالنصوص. وكانت كل فرقة ضالة من فرق الأمة تستدل لمراداتها ومذاهبها بآياتٍ وأحاديثٍ خلاف فهم السلف لها، وتوسعوا في ذلك حتى كفر بعضهم بعضاً وضربوا كتاب الله بعضه ببعض، كل ذلك بفهمهم للنصوص حَسبَ ما تدعيه كل فرقة، فأصبحت كل الفرق الزائغة تقول: نأخذ بالكتاب والسنة، فالتبس الأمر على ضعيفي النظر، قليلي العلم. والمخرج من هذه الدعاوي والأقوال الزائغة هو اتباع نهج خير القرون، فما فهموه من النصوص هو الحق، وما لم يفهموه ولم يعملوا به فليس من الحق. وهكذا تابعوهم بإحسانٍ ممن تلقوا عن الصحابة الكرام -رضي الله عنهم أجمعين-، فصار من انتسب إلى منهج هؤلاء الصحابة في فهم الكتاب والسنة، ومن أخذ بما صحت روايته عنهم مرفوعاً إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن ترك الآراء العقلية والفهم المحدث صار من هذا نهجة وسبيله سلفياً، وصار من لم يكن كذلك خلفياً مبتدعاً، إذا تقرر هذا، فكل مسألة من مسائل العلم لا تخلو من أحد ثلاث أحوال: الأول: أن يكون الصحابة وتابعوهم قد قالوا بها وعملوا بها جميعاً أو بعضهم ولم يظهر له مخالف. الثاني: أن يكون عمل بها بعضهم، وخالف فيها بعض آخر وهم أكثر. الثالث: أن تكون المسألة غير معمول بها عندهم. أما القسم الأول: وهو أن يكون عمل الصحابة كلهم بالمسألة، أو بعضهم ولم يعرف له مخالف، فلا شك أن هذا هو السنة المتبعة، والنهج الواضح البين، والصراط المستقيم، والمحجة البيضاء، فلا يحل لأحدٍ مخالفتهم في ذلك، وأمثلة هذا أشهر وأكثر من أن تذكر في العقائد والعبادات. وأما القسم الثاني: وهو أن يكون قد عمل بها بعضهم، وخالف آخرون، وهم أكثرهم، حيث آثر عامة الصحابة غير ما اختاره ذلك القليل، وعملوا بغير ما عمل، قال الشاطبي في «الموافقات في أصول الشريعة» (3/57) في وجوب اتباع أكثرهم:«فذلك الغير هو السنة المتبعة، والطريق السابلة، وأما ما لم يقع العمل عليه إلا قليلاً، فيجب التثبت فيه، وفي العمل على وفقه، والمثابرة على ما هو الأعم الأكثر، فإن إدامة الأولين للعمل على مخالفة هذا الأقل: إما أن يكون لمعنى شرعي، فلا بد أن يكون لمعنى شرعي تحروا العمل به، وإذا كان كذلك فقد صار العمل على وفق القليل كالمعارض للمعنى الذي تحروا، وموافقة ما داوموا عليه) انتهى(3). ثم قال (3/70-71): «وبسبب ذلك ينبغي للعامل أن يتحرى العمل على وفق الأولين، فلا يسامح نفسه في العمل بالقليل، إلا قليلاً، وعند الحاجة، ومس الضرورة إن اقتضى معنى التخيير، ولم يخف نسخ العمل، أو عدم صحة في الدليل، أو احتمالاً لا ينهض به الدليل أن يكون حجة، أو ما أشبه ذلك، أما لو عمل بالقليل دائماً للزمه أمور: أحدها: المخالفة للأولين في تركهم الدوام عليها، وفي مخالفة السلف الأولين ما فيها. الثاني: استلزام ترك ما داوموا عليه، إذ الفرض أنهم داووا على خلاف هذه الآثار، فإدامة العمل على موافقة ما لم يداوموا عليه مخالفة لما داوموا عليه. والثالث:أن ذلك ذريعة إلى اندارس أعلام ما داوموا عليه، واشتهار ما خالفه، إذ الاقتداء بالأفعال أبلغ من الاقتداء بالأقوال، فإذا وقع ذلك ممن يقتدى به كان أشد. الحذر الحذر من مخالفة الأولين، فلوكان ثَـمَّ فضل ما لكان الأولون أحق به، والله المستعان». انتهى كلام الشاطبي - رحمه الله -. وأما القسم الثالث: وهو أن تكون المسألة غير معمول بها عندهم، فلا مراء في أن ما خرج عن عملهم كلهم بدعة وشر، إذا كان مما يتقرب به عامله إلى ربه، لا إن كان من العاديات فالأصل فيها الإباحة. ولذا يقال لكل من عمل عملاً لم يكن على طريقة السلف وفهمهم لنصوص الكتاب والسنة: إنك مبطلٌ مبتدع، مُتَّبعٌ غير سبيل المؤمنين. وقد يحسَّن المحدثات التي لم يتقرب بها صحابة رسول الله r أناسُ ينتسبون إلى العلم، في رغبات ونوازع مختلفة، وهو كله خطأ على الدين، واتباع لسبيل الملحدين، فإن هؤلاء الذين أدركوا هذه المدارك، وعبروا على هذه المسالك: إما أن يكونوا أدركوا من فهم الشريعة ما لم يفهمه الأولون، أو حادوا عن فهمها. وهذا الأخير هو الصواب. إذ المتقدمون من السلف الصالح هم كانوا على الصراط المستقيم، ولم يفهموا من الأدلة المذكورة وما أشبهها إلا ما كانوا عليه، وهذه المحدثات لم تكن فيهم ولا عملوا بها(4). والمحدثات أنواع: فمنها الشركي، ومنها البدع التي تجر إلى الشرك، ومنها بدع تقضي على السنن، وهذه المحدثات بأنواعها لم تكن في زمن الصحابة والتابعين مطلقاً، فلا كان في زمنهم قبور يعكف عندها، وتبنى القبابُ عليها، ويستشفع بأصحابها. ولا كان عندهم توسل بحرمة الأنبياء والصالحين أو جاههم أو ذواتهم، ولا كان عندهم تحرٍ للدعاء عند القبور، ولا كان عندهم هذه الموالد والاحتفالات بمناسبتها، كل هذا لم يكن عندهم بإجماع المسلمين، فإذا كان ذلك كذلك فما استدل به الخلف من شبه لتبرير هذه البدع ينقسم ثلاثة أقسام: الأول: آيات كريمة تأولوها على مراداتهم، محرفين لمعانيها عاسفين لها عسفاً. الثاني: أحاديث، وهي قسمان: القسم الأول: أحاديث صحيحة ليست على ما فهموه، ولا توافق مرادهم، وإنما يحرفونها عن معانيها وسياقها. القسم الثاني: أحاديث واهية أو مكذوبة، وما أكثرها عندهم، وما أشدَّ فرحهم بها، وما أعظم إغلاءهم لهما، وما أحبهم لترديدها ونشرها. الثالث: حكايات ومنامات يتناقلونها، وكأنها من مصادر التشريع. والمخرج من الاستدلال بالآيات والأحاديث الصحيحة يكون بأمرين: الأول: أن ما يستدل به المبتدعة ليس هو المعنى المراد، فأهل السنة المتبعون لفهم السلف يفهمون منه غير ما فهمه المبتدعة، فيكون فهمُ الخلف مردوداً بفهم السلف. الثاني: -وهو فرع الأول- أن يقال: هل عمل السلف الصالح بفهم الخلف لما يستدلون به أم لم يعملوا به؟ والسلف لم يعملوا بهذه المحدثات اتفاقاً، ولن يقدر مبتدع أن يأتي بعمل للسلف مخالف لعمل الصحابة؛ لأن أهل السنة متبعون لعمل الأولين من الصحابة والتابعين، بخلاف الخلف الذين يفعلون ما لا يؤمرون. وفي هذا المعنى ما رُوي عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: «إنه سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله».(5). ولذا لا تجد فرقة من الفرق الضالة، ولا أحداً من المختلفين، يعجز عن الاستدلال على مذهبه بظواهر من الأدلة، والشأن والصواب في صحة الاستدلال لا بمجرد الاستدلال. قال الشاطبي بعد ذكر مجمل هذه المعاني (3/77):«فلهذا كله يجب على كل ناظرٍ في الدليل الشرعي مراعاة ما فهم منه الأولون، وما كانوا عليه في العمل به، فهو أحرى بالصواب وأقوم في العلم والعمل» انتهى. إذا تبين هذا وانجلى، وظهر الحق واعتلى، فالذين يصح تشرفهم بالانتساب إلى السلف الصالح يدورون مع هذه المسائل التي ذكرت. 1 - فما كان عمل الصحابة به منتشراً، عملوا به. 2 - وما تفرد به واحد منهم أو أفرادٌ وخالف فيه بقيتهم ردوه إلى الله والرسول -صلى الله عليه وسلم-، كما أمرهم ربهم بذلك حيث قال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً}. [النساء: 59]. فأمر بالرد إلى الله : وهو الرد إلى كلامه المنزل الحكيم ..قرآنه العظيم،وأمر بالرد إلى رسوله -صلى الله عليه وسلم- وهو: الرد إليه في حياته، وإلى سنته الثابتة الصحيحة بعد وفاته، والنظر للاتباع في عمل الأكثرين. فلم يظهر -بحمد الله- في قاعدتهم إخلال، ولا نابها اضطراب وهي القاعدة البينة، والسبيل النهج الواضح، والصراط المستقيم، وعليها سار الأئمة الأربعة في أكثر فقههم -رحمهم الله وأجزل لهم المثوبة-. 3- وما لم يعمل به أولئك الكرام -أعني صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أمر العبادات فهو محدث أحدثه الخلوف. فما كف الصحابة والتابعون عما كفّوا عنه إلا لنظر سديد، وفهم حميد لأدلة الكتاب والسنة، ولا تركوا ما تركوا ما أحدثه من بعدهم -مع وجود أسبابه عينها التي برَّرَ بها المحدثون محدثاتهم- إلا عن فهم لأمور الشرع، وتركهم سنة متبعة وسبيل مقتفاة. ولا رغبوا فيما رغبوا عنه مما طلب به الخلوف الأجر والثواب إلا وفِعْل ما رغبوا عنه ليس من الدين، فإنهم أحرص الناس على الخير، وأكثرهم تحرياً لولوج أبواب الطاعات المشروعة، فإنهم لا يتركون مشروعاً إلا وقد أتوه وطلبوا الثواب، وتقربوا إلى الله بعمله. فما أفقه من اتبعهم في: أخذهم وتركهم، وفقههم وعلمهم، وفهمهم وعملهم، وما أحراه بكل خير وقربة، وما أجدره بأن يوفق في أمره كله. فكل خير في اتباع من سلف**و كل شر في ابتداع من خلف