أزهار صقيع القطب الشمالي هشّة وقصيرة العمر.
الأزهار التي تنمو وراء ساحل روسيا الشمالي في المحيط المتجمد الشمالي، تعجّ بالحياة المجهرية، مكونةً ظاهرة غريبة ومدروسة بشكل قليل. "حقول الزهرة" تبدو كصورة من فيلم خيال علمي لعالم خارج الأرض. لكن هل يمكن لهذه الأزهار أن تخبئ سر أصل الحياة على الأرض.
.ما هي الصورة التي تتبادر إلى أذهاننا عندما نسمع بالقطب المتجمد الشمالي؟ إنها صورة محيط مغطى بطبقة من الجليد، وصحارى جليدية بلا نهاية، وريح وصقيع... في هذا الجزء من الكوكب لا نتوقع بالتأكيد رؤية شيء ما يشبه حقلاً مزركشاً بزهور بيضاء شفافة. حيث يُصادف أن يكون القطب الشمالي موطناً لظاهرة غير اعتيادية، ولكنها جميلة ونادرة وغير مدروسة بشكل جيد: إنها أزهار الصقيع
. فقد أبدعت الطبيعة هنا فناً من الأزهار البيضاء المخرّمة، المبهجة والفريدة من نوعها.تنمو هذه "الزهور" على طبقة رقيقة من جليد حديث التشكّل. لأن الماء يتحول من الحالة الصلبة إلى الحالة الغازية بمروره عبر الحالة السائلة، فإن الطبقة المشبعة بالرطوبة- تُبرد وتتكثف عند الدرجة 20 مئوية تحت الصفر بين الجليد والهواء- مشكّلة السطح الجليدي للمحيط القطبي.
فمثلاً، عندما تكون درجة حرارة طبقة الجليد المتشكلة حديثاً، في الطبقة المشبعة الرطوبة، حوالي الصفر، بينما تكون درجة حرارة الهواء حوالي العشرين تحت الصفر، عندها تنمو"أزهار القطب" (أو بلورات جليدية) بارتفاع بضعة سنتيمترات خلال ثوان. بعد فترة، يترسب ضباب ملحي على البلورات الجليدية. لذلك تحوي أزهار الصقيع ملحاً يبلغ أربعة أضعاف ما يحويه ماء البحر.
أزهار الصقيع تمثل نظاما بيئيا مصغّرا ومؤقتا
للوهلة الأولى، قد تبدو أزهار الصقيع بلورات خالية من الحياة تماماً. لكن هذا غير صحيح. فهي تمثل نظاماً بيئياً مصغّراً ومؤقتاً. ولسبب غير معروف حتى الآن، في ظروف القطب الشمالي القاسية، يوجد كائنات مجهرية في "الأزهار" أكثر مما يوجد تحت الثلج. تحتوي كل زهرة صقيع على مليون جرثومة. ولهذا السبب، يرجّح العلماء أن تكون الحياة على الأرض قد نشأت في تشكيلات طبيعية مماثلة.الطبيعة في القطب الشمالي، متقشفة بشكل استثنائي. حيث تسبح التلال الجليدية باتجاه سماء غائمة. والحدود بين السماء والأرض ضبابية وغير واضحة. فقط أشعة الشمس الباهتة المنتثرة تتخلل غيوم الثلج والبقع المظلمة في الماء مشكّلة طريقها إلى ما تحت السماكات المتجمدة- مثل ضربات فرشاة من يد فنان خفيّ- لتلون الرقعة البيضاء، في هذه البقعة العذراء من الأرض. ومن المستحيل التعبير بكلمات عن العواطف والمشاعر الجياشة التي تنتابك وأنت تتأمل حقلاً من زهور الصقيع وسط التلال الجليدية.
يحذّر العلماء من أنه، على الرغم من جمال زهرة الصقيع لكن من المحتمل أن يكون لها تأثير مخرّب للغلاف الجوي
لسوء الحظ، أزهار صقيع القطب الشمالي هشّةٌ وقصيرة العمر. فعندما تزداد سماكة الجليد وتصبح حرارته كحرارة البيئة المحيطة، تختفي الزهور. كما يختلف توزع وارتفاع زهرة الصقيع، تبعاً للطبقة المشبعة بالرطوبة، والتي يمكن أن تكون متقلبة جدّاً. وهي تتأثر بعوامل عديدة، بما فيها الرياح.ويحذّر العلماء من أنه، على الرغم من جمال زهرة الصقيع لكن من المحتمل أن يكون لها تأثير مخرّب للغلاف الجوي.
حيث تسبب أشعة الشمس تفاعلات كيماوية داخلها، مما يؤدي إلى إطلاق كمية كبيرة من الفورم ألدهيد ومركبات البرومين التي تستنفذ طبقة الأوزون
وفي الحقيقة، لم يتم التأكد بعد من مدى تأثيرها على العمليات الحيوية. مهما يكن من أمر، فارتفاع كمية الجليد الحديث الشتكل في القطب الشمالي، والذي تنمو عليه هذه الأزهار، يمكن أن يوفر حافزاً أكبر لاكتشاف هذه الظاهرة الطبيعية العجيبة.