أبي بن كعب بن قيس ..
أبي بن كعب بن قيس صحبي وكاتب لما جاء من القرآن، شهد بيعة العقبة الثانية، وشهد له الرسول بالعلم.
نسبه وصفته
هو أُبي بن كعب بن قيس بي عبيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار بن ثعلبة بن عمرو من الخزرج [1]. له كنيتان: أبو المنذر؛ كناه بها نبي الإسلام محمد، وأبو الطفيل؛ كناه بها عمر بن الخطاب بابنه الطفيل وكان عمر يسميه سيد المسلمين. وأمه صهيلة بنت النجار، وهي عمة أبي طلحة الأنصاري. وقيل في وصفه انه كان أبيض الرأس واللحية لا يخضب.
مكانته
كان أّبي بن كعب من فقهاء الصحابة، وكان من كُتَّاب الوحي، ومن اعتبر من أفضل قرّاء القرآن، وهو أحد الإثنا عشر الذين بايعوا الرسول، في بيعة العقبة. وقد روي أن أُبي بن كعب قال:
«سألني رسول الله ما هي برأيك أعظم آية جاءت في القرآن الكريم؟، فقلت: آية الكرسي، فضرب رسول الله على صدري، وقال لي: ليهنئك العلم يا أبا المنذر»[2]. وقد جاء في الحديث: "أقرؤكم أُبي" وقد أسند إليه النبي مهمة تعليم الوفود القرآن وتفقيهها في الدين وكان النبي إذا غاب عن المدينة يستخلفه لإمامة المسلمين في الصلاة وقد قال عنه عمر بن الخطاب: "سيد المسلمين أبي بن كعب". وجاء في صحيح البخاري ان الرسول قال لأُبي بن كعب حين نزلت (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا)[3] «إن الله أمرني أن أقرأ عليك (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال أبي: آلله سماني لك ؟ قال نعم الله سماك لي فجعل أبي يبكي».
مناقبه
الزهد
عن جُندب بن عبد الله البجلي قال: أتيت المدينة ابتغاء العلم، فدخلت مسجد رسول الله فإذا الناس فيه حَلَقٌ يتحدّثون، فجعلت أمضـي الحَلَقَ حتى أتيتُ حلقـةً فيها رجل شاحبٌ عليه ثوبان كأنّما قدم من سفر. فسمعته يقول: (هلك أصحاب العُقدة ورب الكعبة، ولا آسى عليهم)... أحسبه قال مراراً... فجلست إليه فتحدّث بما قُضيَ له ثم قام، فسألت عنه بعدما قام قلت: من هذا؟. قالوا: هذا سيد المسلمين أبي بن كعب)... فتبعته حتى أتى منزله، فإذا هو رثُّ المنزل رثُّ الهيئة، فإذا هو رجل زاهد منقطعٌ يشبه أمره بعضه بعضاً.
الورع
قال أبي بن كعب: (يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك، فكم أجعل لك في صلاتي؟). قال: (ما شئت، وإن زدت فهو خيرٌ)... قال: (الرُّبـع؟)..... قال: (ما شئـت، وإن زدت فهو خيرٌ)... قال: (أجعلُ النصـف؟)...
قال: (ما شئـت، وإن زدت فهو خيرٌ)... قال: (الثلثيـن؟)..... قال: (ما شئـت، وإن زدت فهو خيرٌ)... قال: (اجعـل لك صلاتي كلّها؟)... قال: (إذاً تُكفـى همَّك ويُغفَر ذنبُك).
وبعد وفاة الرسول، ظل أبي على عهده في عبادته وقوة دينه، وكان دوما يذكر المسلمين بأيام الرسول ويقول: «لقد كنا مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- ووجوهنا واحدة، فلما فارقنا اختلفت وجوهنا يمينا وشمالا».
وعن الدنيا يتحدث ويقول: ((ان طعام ابن آدم، قد ضرب للدنيا مثلا، فان ملحه وقذحه فانظر إلى ماذا يصير؟)).
وحين اتسعت الدولة الإسلامية ورأى المسلمين يجاملون ولاتهم، قال هلكوا ورب الكعبة، هلكوا وأهلكوا، أما اني لا آسى عليهم، ولكن آسى على من يهلكون من المسلمين) وقيل انه كان أكثر ما يخشاه هو أن يأتي على المسلمين يوما يصير بأس أبنائهم بينهم شديد.
احداث
وقعة الجابية
شهد أبي بن كعب مع عمر بن الخطاب وقعة الجابية، وقد خطـب عمر بالجابية فقال: (أيها الناس من كان يريـد أن يسأل عن القرآن فليأتِ أبـيَّ بن كعـب).
الدعوة المجابة
روى عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: (اخرجوا بنا إلى أرض قومنا). قال: فخرجنا فكنت أنا وأبي بن كعب في مؤخَّر الناس، فهاجت سحابة، فقال أبيُّ: (اللهم اصرف عنّا أذاها) فلحقناهم وقد ابتلّت رحالهم. فقال عمر: (أمَا أصابكم الذي أصابنا؟). قلت: (إن أبا المنذر دعا الله عزّ وجلّ أن يصرف عنّا أذاها)... فقال عمر: (ألا دعوتُمْ لنا معكم؟!).
الوصية
قال رجلٌ لأبي بن كعب: (أوصني يا أبا المنذر).قال: (لا تعترض فيما لا يعنيك، واعتزل عدوَّك، واحترس من صديقك، ولا تغبطنَّ حيّاً إلا بما تغبطه به ميتاً، ولا تطلب حاجةً إلى مَنْ لا يُبالي ألا يقضيها لك).
وفاته
عن عبـد الله بن أبي نُصير قال: عُدْنا أبي بن كعـب في مرضه، فسمع المنادي بالأذان فقال: (الإقامة هذه أو الأذان؟)... قلنا: (الإقامـة)... فقال: (ما تنتظرون؟ ألا تنهضون إلى الصلاة؟)... فقلنا: (ما بنا إلا مكانك)... قال: (فلا تفعلوا قوموا، إن رسول الله صلى بنا صلاة الفجر، فلمّا سلّم أقبل على القوم بوجهه فقال: (أشاهدٌ فلان؟ أشاهدٌ فلان؟). حتى دعا بثلاثة كلهم في منازلهم لم يحضروا الصلاة فقال: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الفجر والعشاء، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حَبْواً، واعلم أنّ صلاتك مع رجلٍ أفضل من صلاتك وحدك، وإن صلاتك مع رجلين أفضل من صلاتك مع رجل، وما أكثرتم فهو أحب إلى الله، وإن الصفّ المقدم على مثل صف الملائكة، ولو يعلمون فضيلته لابتدروه، ألا وإن صلاة الجماعة تفضل على صلاة الرجل وحدَه أربعاً وعشرين أو خمساً وعشرين)). وكان الرسول قد قال : (ما مِنْ شيءٍ يصيب المؤمن في جسده إلا كفَّر الله عنه به من الذنوب). فقال أبي بن كعب: (اللهم إنّي أسألك أن لا تزال الحُمّى مُضارِعةً لجسدِ أبيٌ بن كعب حتى يلقاك، لا يمنعه من صيام ولا صلاة ولا حجّ ولا عُمرة ولا جهاد في سبيلك). فارتكبته الحمى فلما تفارقه حتى مات، وكان في ذلك يشهد الصلوات ويصوم ويحج ويعتمر ويغزو. توفي سنة 30 هـ [بحاجة لمصدر]، يقول عُتيّ السعديّ: قدمت المدينة في يوم ريحٍ وغُبْـرةٍ، وإذا الناس يموج بعضهم في بعـض. فقلت: (ما لي أرى الناس يموج بعضهم في بعض؟)... فقالوا: (أما أنت من أهل هذا البلد؟)... قلت: (لا)... قالوا: (مات اليوم سيد المسلمين، أبيّ بن كعب).