السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل تذكرون بيتَ الشعر الشهير الذى يتبادله الكثير منا عندما تأخذهم نزعةُ جلدِ الذات، فينطلقون به و كلُّهم يقينٌ بأنّّ هذا هو الرجوع إلى الحق؟ هل تذكرون ذلك البيتَ الذى يقول الشاعرُ فيه:
"نعيب زمانَنا و العيبُ فينا = و ما لزمانِنا عيبٌ سِوانا"؟
إنَّ المفارقة الأولى - يا إخوانى - هى أنَّنا، إذ نتشدَّق بهذا البيت، إنَّما نخلط بين بيتين من نفسِ القصيدةِ فى حين أنَّنا نقوله لنصيبَ به كبدَ الحقيقة، أو هكذا نزعم!
و المفارقة الثانية هى أن قائلَ هذا البيتِ نفسَه و احدٌ ممن اشتهر فى عصره بشكوى الدهر فى حين أنَّنا نستشهد بكلامِه لنردَّ الحقَّ إلى أهلِه، و نكفَّ عن شكوى الدهر! (يعنى - لا مؤاخذة - "جبتك يا عبد المعين تعيننى، لاقيتك يا عبد المعين تتعان".)
و الحقيقة إنَّ كلُّ واحدةٍ من هاتين الملحوظتين إنما تؤكد أنَّ شكوى الدهر صفةٌ - لا محالةَ - غالبةٌ. و السؤال الذى يطرح نفسه هنا و بشدةٍ هو: "لماذا؟".
و إليكم الأبيات التى تُنسَب إلى الشاعر ابن لنكك البصرى (؟ - 360 هـ/ 970 مـ) الذى عاصر المتنبى و - يا للعجب، أو و لا عجب - هجاه:
"يعيب الناسُ كلُّهم الزمانا = و ما لزمانِنا عيبٌ سِوانا
نعيب زمانَنا و العيبُ فينا = و لو نطق الزمانُ إذن هجانا
ذئابٌ كلُّنا فى زِىِّ ناسٍ = فسبحان الذى فيه برانا
يعاف الذئبُ يأكل لحم ذئبٍ = و يأكل بعضُنا بعضًا عيانا"