أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
في ظلّ الأجواء القاتمة التي سادت الجزيرة العربية ، وانتشار صور العدوانوألوان الظلم التي مورست ضد الضعفاء والمساكين ، جاءت الشريعة الخاتمةلتخرج الناس من جور الأديان إلى عدالة الإسلام ، وأنزل الله خير كتبه وبعثخير رسله ليقيم العدل ويُرسي دعائم الحق ، لتعود الحقوق إلى أصحابها ،ويشعر الناس بالأمن والأمان ، وبهذا أُمر النبي – صلى الله عليه وسلم – :{ وأمرت لأعدل بينكم } ( الشورى : 15 ) .
فكان العدل من الأخلاق النبويّة والشمائل المحمديّة التي اتّصف بها – صلىالله عليه وسلم – ونشأ عليها ، عدلٌ وسع القريب والبعيد ، والصديق والعدوّ، والمؤمن والكافر ، عدلٌ يزن بالحقّ ويقيم القسط ، بل ويحفظ حقوق البهائموالحيوانات ، إلى درجة أن يطلب من الآخرين أن يقتصّوا منه خشية أن يكون قدلحقهم حيفٌ أو أذى ، وهو أبلغ ما يكون من صور العدل.
وبين يدينا موقفٌ من المواقف التي تشهد بعظمته – صلى الله عليه وسلم - ،فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : بينما رسول الله - صلى الله عليهوسلم - يقسم شيئا ، أقبل رجل فأكبّ عليه ، فطعنه رسول الله صلى الله عليهوسلم بعرجون – وهو عود النخل - كان معه ، فخرج الرجل ، فقال له رسول الله- صلى الله عليه وسلم - : ( تعال فاستقد – أي اقتصّ مني - ) ، فقال الرجل: قد عفوت يا رسول الله) رواه النسائي .
ومن داخل بيت النبوّة تبرز صورٌ أخرى للعدالة النبوية ، خصوصاً مع وجودالخلاف الطبيعي والغيرة المعروفة بين الضرائر ، فعن أنس بن مالك رضي اللهعنه قال : " أهدت بعض أزواج النبي- صلى الله عليه وسلم - إليه طعاما فيقصعة ، فضربت عائشة القصعة بيدها فألقت ما فيها ، فقال النبي - صلى اللهعليه وسلم : ( طعام بطعام ، وإناء بإناء) رواه الترمذي ، وأصله في البخاري.
ومن صور عدله – صلى الله عليه وسلم – العدل بين زوجاته حينما قام بتقسيمالأيّام بينهنّ ، وكان يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيماتملك ولا أملك يعني القلب ) رواه أبو داوود ، كذلك كان عليه الصلاةوالسلام إذا عقد العزم على السفر والمسير اختار من تذهب معه بالقرعة ، كماتروي ذلك عائشة رضي الله عنها : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهنّ خرج سهمها خرج بها " متفقعليه ، يقول الإمام المناوي معلّقاً : " ( أقرع بين نسائه ) تطييبالنفوسهن ، وحذرا من الترجيح بلا مرجّح عملاً بالعدل " .
وفي ظلال المنهج العادل للنبي – صلى الله عليه وسلم – عادت الحقوق إلىأصحابها وعلم كل امرئ ما له وما عليه ، وشعر الناس – مسلمهم وكافرهم –بنزاهة القضاء وعدالة الأحكام ، بعد أن وضع – صلى الله عليه وسلم – نظاماًرفيعاً وسنّة ماضية تقيم الحقّ وتقضي بالعدل ، منهجٌ فيه النصرة للمظلوم ،والقهر للظالم الغشوم ، فلا الفقير يخشى من فوات حقّه ، ولا الغني يطمع فيالحصول على ما ليس له ، ولا الشافعون يطمعون في درء حدٍّ من حدود اللهتعالى ، ويشهد النبي – صلى الله عليه وسلم – بذلك فيقول ( ومن يعدل إن لمأعدل ؟ قد خبت وخسرت إن لم أعدل ) متفق عليه واللفظ لمسلم .
ففي قصّة المرأة المخزومية التي سرقت ، استعان أهلها بأسامة بن زيد كييشفع لهم عند رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلم يقبل شفاعته ، وقالكلمة خلّدها التاريخ : ( أيها الناس ، إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانواإذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد ،وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) متفق عليه .
وفي يوم بدرٍ أغلى النبي – صلى الله عليه وسلم - فداء عمّه العباس بنعبدالمطلب حتى بلغ مائة أوقية ، ولم يقبل أن يتنازل الأنصار عنه شيئاً ؛حتى لا يظنّ ظانّ أن القرابة من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – تنفعصاحبها.
وعندما أراد النعمان بن بشير رضي الله عنه أن يُشهد رسول الله - صلى اللهعليه وسلم – على هبةٍ لأحد أولاده قال له : ( يا بشير ألك ولد سوى هذا ؟ )فقال له : نعم ، فقال له : ( أكلهم وهبت له مثل هذا ) ، قال : لا ، فقالالنبي - صلى الله عليه وسلم – : ( فلا تُشهدني إذاً ؛ فإني لا أشهد علىجور ) رواه مسلم .
وخوفاً من تفويت حقوق البعض – لاسيما في القضاء – يقول النبي - صلى اللهعليه وسلم - : ( إنكم تختصمون إليّ ، ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض – أي :أقدر على إظهار حجّته - ، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا بقوله فإنما أقطع لهقطعة من النار فلا يأخذها ) متفق عليه .
ويقرّر النبي – صلى الله عليه وسلم – حقوق الضعفاء ، ويحذّر الناس منبخسها فيقول : ( إخوانكم خَوَلكم – أي من يخدمونكم - جعلهم الله تحتأيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليلبسه مما يلبس ، ولاتكلّفوهم ما يغلبهم ، فإن كلّفتموهم فأعينوهم ) رواه البخاري ومسلم ،ويقول أيضا : ( إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليقعده معه ، أو ليناوله منه ؛فإنه هو الذي ولي حرّه ودخانه – أي الذي باشر الطباخة متحمّلاً الأذىالحاصل من الحرارة والدخان - ) رواه ابن ماجة .
وأثنى النبي – صلى الله عليه وسلم – على بعض المواقف والكلمات التي كانتتصدر من أهل الجاهليّة - على الرغم من كفرهم - لموافقتها للحق الذي جاء به، وتحقيقاً لقوله تعالى : { ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلواهو أقرب للتقوى } ( المائدة : 8 ) ، فمن ذلك ثناؤه – صلى الله عليه وسلّم– على لبيد بن ربيعة بقوله : ( أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد : ألا كلشيء ما خلا الله باطل ) متفق عليه ، وثناؤه على تحالف بعض أهل الجاهليةعلى نصرة المظلوم بقوله ( قد شهدت في دار عبدالله بن جدعان حلفاً لو دُعيتبه في الإسلام لأجبت ) رواه الحميدي بسند صحيح ، وهذا من عدله عليه الصلاةوالسلام وإنصافه .
بل حتى الحيوانات كانت تنال حظاً من رعايته – صلى الله عليه وسلم – وعدله، فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : دخل رسول الله - صلى الله عليهوسلم - حائطا لرجل من الأنصار ، فإذا جمل ، فلما رأى النبي - صلى اللهعليه وسلم - حنّ وذرفت عيناه ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح عليهفسكت ، فقال : ( لمن هذا الجمل ) ، فجاء فتى من الأنصار فقال : لي يا رسولالله ، فقال له : ( أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ؛فإنه شكى إليّ أنك تجيعه وتدئبه – أي تتعبه ) رواه أبو داوود .
هذا هو سيّد الأنبياء وإمام الأتقياء – صلى الله عليه وسلم - ، وهذه جوانبمن سيرته العطرة محفوظةٌ في ذاكرة التاريخ وفي ضمير البشريّة ، شاهدةٌ علىقسطه وعدله .
يا قارىء خطى لا تبكى على موتى .. فاليوم أنا معك وغدا فى التراب فإن عشت فإنى معك وإن مت فتبقى للذكرى .. ويا مارا على قبرى لا تعجب من أمرى .. بالأمس كنت معك وغدا أنت معى .. أموت ويبقى كل ما كتبته ذكرى .. فيا ليت كل من قرأ خطى دعا لى