حكاية قمر تاه
بقلم فهمي هويدي :
شغلنا بواقعة اختفاء القمر الصناعي «إيجيبت سات واحد»، لكن أحدا لم يرو قصته، كأن الجميع تواطأوا على أن يتستروا على ما شاب العملية من تهريج وعبث.
ذلك أن القمر الصناعي الذي وصفته وسائل الإعلام بأنه «مصري»، وأعرب البعض عن الأسف لفقدانه، كان بمثابة ورطة مصرية وليس صناعة مصرية.
فأهل الاختصاص يعرفون أن أوكرانيا هي التي صممته وصنعته، وهي التي أطلقته في عام 2007 من على متن أحد الصواريخ الروسية، من قاعدة خصصت لهذا الغرض في كازاخستان. وظل الدور المصري مقصورا على دفع فاتورة العملية، التي بلغت 21 مليون دولار.
الشق المسكوت عليه سمعت تفاصيله من الدكتور سيد دسوقي شيخ علماء الفضاء المصريين، الذي قال إن التفكير في الموضوع بدأ بداية صحيحة في منتصف تسعينيات القرن الماضي حين تعاونت لإنجاز المهمة ثلاث جهات مختصة هي:
هيئة الاستشعار عن بُعد، وأكاديمية البحث العلمي، وقسم هندسة الطيران والفضاء بجامعة القاهرة.
وتشكلت في ذلك الوقت عدة لجان بأكاديمية البحث العلمي، كانت أبرزها لجنة تكنولوجيا الفضاء التي تولى هو رئاستها، وضمت اللجنة كوكبة من علماء مصر الموجودين في مختلف المراكز البحثية.
في ذلك الوقت بدأ الإعداد الجاد لمشروع الفضاء المرتقب في هيئة الاستشعار عن بعد بالتعاون مع أكاديمية البحث العلمي. كما بدأ التفكير في اكتساب الخبرات من الخارج، فسافرت عدة وفود إلى إنجلترا وفرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية.
وارتأى الدكتور دسوقي آنذاك أن يكون البدء بتصميم وتصنيع وإطلاق أقمار صغيرة، فإذا نجحت التجربة يتم الانتقال إلى ما بعدها.
وكانت خبرة صناعة تلك الأقمار متوافرة في جامعة ستانفورد الأمريكية (التي حصل منها الدكتور دسوقي على شهادة الدكتوراه).
وقد برز فيها الدكتور تويجز، أحد أهم العلماء الأمريكيين ــ سافر الدكتور دسوقي إلى هناك واتفق مع العالم الأمريكي ومساعده على أن يقضيا في مصر أسبوعين، وأن يستقدما معهما المكونات اللازمة لتصنيع عشرة أقمار علب صغيرة، لتطلق عن طريق بالون. على أن تكون تلك بداية التعاون في إجراء أبحاث مشتركة لتطوير الأقمار.
وكل ما طلب آنذاك لم يتجاوز إصدار بطاقتي سفر للرجلين، وخمسة آلاف دولار لكل منهما لنفقات الأسبوعين، وخمسة آلاف دولار قيمة المكونات المطلوبة للأقمار العشرة، أي أن التكلفة لم تتجاوز 20 ألف دولار.
(للعلم فإن فكرة الأقمار الصغيرة أصبحت سائدة في العالم الآن، حيث أصبحت الجهات المختصة تطلق مجموعة من تلك الأقمار وتوزع عليها مهام القمر الكبير في نفس المدار وحول بعضها البعض،
وفي الصيف الأخير ــ بعد مضي عشر سنوات ــ زارت مصر وفود يابانية تريد أن تبدأ معها مشاريع لتلك الأقمار الصغيرة، بعدما أصبح اسم الأستاذ تويجز ملء السمع والبصر في أوساط علوم الفضاء في العالم).
حمل الدكتور سيد دسوقي العرض الذي عاد به من أمريكا وقدمه إلى اللجة العليا للفضاء التي رأسها الدكتور علي صادق، لكنه فوجئ بأمرين،
أولهما رفض الفكرة من أساسها.
وثانيهما أن ثمة مشروعا للتعاقد مع أوكرانيا لتصنيع القمر، أعده الدكتور علي صادق والدكتور بهي الدين عرجون.
في تلك الفترة جاء وفد من أوكرانيا لزيارة هيئة الاستشعار عن بعد، استعدادا لبدء المشروع. واقترح أحد الباحثين المصريين أن يلتقي كبير علماء مشروعات الفضاء الأوكراني مع الدكتور سيد دسوقي باعتباره كبير العلماء المصريين فوافق على ذلك.
وحين تسرب الخبر فوجئ الدكتور دسوقي بأن الجو قد توتر، وأن بعض أصحاب المصلحة في المضي في المشروع عملوا على إلغاء اللقاء، بحيل متعددة، وتحقق لهم ما أرادوه لأسباب بعضها معلوم وبعضها لا يزال في علم الغيب،
في النهاية تم تجاهل فكرة تصنيع الأقمار العشرة بتكلفة 20 ألف دولار، وتسارعت خطى تنفيذ القمر الأوكراني الذي بلغت تكلفته 21 مليون دولار.
وذهب مدير المشروع المصري إلى أوكرانيا بصحبة 50 مهندسا مصريا أجلسوهم هناك ليتفرجوا على اختبارات بعض الأجهزة، فلم يتعلموا شيئا، وعادوا لكي يكملوا دراساتهم العليا في القاهرة، ثم تشتتوا بعد ذلك، وأغلبهم غادر البلاد بحثا عن عمل في الخارج.
الأهم من ذلك أن مصر فشلت في أن تنفذ مشروعها الوطني لصناعة الأقمار، ثم فقدت القمر الأوكراني الذي مولته، وخرجت من المولد بلا حمص!