أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
جاء في الأحاديث أن الناس يحشرون حفاة، عراة، غرلاً (1) كما جاء عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "تحشرون حفاة عراة غرلاً" قالت عائشة: فقلت يا رسول الله، الرجال والنساء ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقال: الأمر أشد من أن يهمهم ذلك"(2) .
ويعارض هذا الحديث الذي روي عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها" (3) .
وأَجيب عن ذلك بعدة أجوبة:
الأول: قيل: إن حديث أبي سعيد خاص بالشهداء، فهم الذين يبعثون في ثيابهم، وأما غيرهم فيبعثون عراة حفاة غرلا، لقوله تعالى: (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ) [الأنعام:94] .
الثاني: أن المراد بالثياب في الحديث الأعمال، قال تعالى: ( وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ) [الأعراف:26] .
الثالث: أن لباسهم يكون عند خروجهم من القبور، فإذا وصلوا أرض المحشر تناثرت عنهم الثياب، وصاروا عراة.
الرابع: أن الخلق يكسون، فتكون كسوة كل إنسان من جنس ما يموت فيه (4) .
ثم يكون أول من يكسى إبراهيم عليه السلام كما جاء في الحديث الصحيح (5) .
والحكمة والله تعالى أعلم في أولويته – عليه السلام – قيل: لشدة خوفه من الله عز وجل، فعجل له بالكسوة ليطمئن قلبه.
وقيل: لأنه أول من أمر بلبس السراويل زيادة في الستر.
وقيل: لأنه عندما أُلقي في النار جرد من ثيابه أمام الناس، وكان ذلك في الله فجوزي على ذلك بأن كان أول من يكسى يوم القيامة، ورجحه القرطبي (6) .
وقال بعض العلماء أن أول من يكسى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وإبراهيم عليه الصلاة والسلام أول من يكسى من سائر الخلق غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (7) .
وقال ابن حجر – رحمه الله – : "يحتمل أن يكون نبينا عليه الصلاة والسلام خرج من قبره في ثيابه التي مات فيها والحلة التي يكساها حينئذ من حلل الجنة حلة الكرامة بقرينة إجلاسه على الكرسي عند ساق العرش، فتكون أولية إبراهيم في الكسوة بالنسبة لبقية الخلق.ا.هـ (
وهذا خلاف الظاهر من الحديث، إذ لفظ الحديث يفيد العموم "أول الخلائق".
ولو ثبت هذا، لنقل واستفاض لأنه من خصائص نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ولما جاء في بعض الأحاديث قولـه عليه الصلاة والسلام: "فيكون أول من يكسى إبراهيم يقول الله تعالى: "اكسوا خليلي فيؤتى بريطيتين (9) بيضاوين من رياض الجنة، ثم أكسى على إثره ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والآخرون" (10) .
ويمكن القول: إن نبينا – عليه الصلاة والسلام – عُوِّض عن تأخير الحلة، بنفاستها كما ذكر ذلك الحليمي (11) .
ويحشر الكافرون على وجوههم، إذلالاً لهم، وزيادة في تبكيتهم، لتكبرهم عن السجود في الدنيا، عن أنس بن مالك – رضي الله عنه –: أن رجلاً قال: يا نبي الله، كيف يحشر الكافر على وجهه يوم القيامة؟ قال: "أليس الذي أمشاه على رجلين في الدنيا قادراً على أن يمشيه على وجهه يوم القيامة" (12) ، وهذا تفسير قولـه تعالى: (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضَلُّ سَبِيلاً{34}) [الفرقان:34].
وأما المتكبرون فيحشرون أمثال الذر – والعياذ بالله – كما روى الترمذي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل في كل مكان، فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال" (13) .
* أهوال يوم الحشر:
وفي ذلك اليوم تشتد الأهوال، ويعظم الخطب، ويود الكافر أن له ملك ما في الأرض ليفتدي به من سوء العذاب: (وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ{2}) [الحج:2] .
وتدنو الشمس من الرؤوس، ويرتفع العرق كما روى مسلم عن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "تُدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل".
قال سُليم بن عامر (14) : فوالله ما أدري ما يعني بالميل؟ أمسافة الأرض أم الميل الذي تكتحل به العين؟
قال: "فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق فمنهم من يكون إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً" (15) .
وفي هذا اليوم العظيم يفر المرء من أخيه، والولد من والديه، والصاحب من صاحبته وكل يقول نفسي نفسي.
ويطول ذلك اليوم، ولهذا فهم عند البعث يظنون أنهم ما لبثوا إلا ساعة من نهار، وذلك قياساً على يوم الحشر (16) .
وهذا الطول بالنسبة لغير المؤمنين، أما المؤمنون فيخفف عليهم كما جاء ذلك في الأحاديث (17) ، ومنها ما رواه الإمام أحمد عن أبي سعيد الخدري قال: قيل لرسول الله يوما كان مقداره خمسين ألف سنة ما أطول هذا اليوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "والذي نفسي بيده إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا"(18).
ويؤيد صحة ما سبق ما رواه ابن جرير – رحمه الله – عن ابن عباس في قولـه تعالى: (تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{4}) [المعارج:4] .
قال: "فهذا يوم القيامة، جعل الله على الكافرين مقدار خمسين ألف سنة" (19) .
وقال القرطبي – رحمه الله – : وهذا القول أحسن ما قيل في الآية إن شاء الله (20) .
ومن شدة الأهوال يتسارع الخلق إلى الأنبياء يطلبون منهم الشفاعة في فصل القضاء، وفيه يقوم نبينا محمد صلى الله عليه وسم مقاماً يغبطه عليه الأولون والآخرون، وهو المقام المحمود.
ثم يفصل الرب تعالى بين خلقه بشفاعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويقضي بينهم بالقسط، قال تعالى: )وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ{47}) [يونس:47] .
وأول الأمم يقضى بينهم، أمة محمد صلى الله عليه وسلم لشرف نبيها صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين عن حذيفة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(21): "أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا، فهدانا الله ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا، الأولون يوم القيامة المقضي لهم قبل الخلائق" (22) .
الـجـنة والنار:
ويشمل الحديث عنهما ما يلي:
1- نعيم أهل الجنة، وحال أهلها.
2- عذاب أهل النار، وحال أهلها.
3- أبدية الجنة والنار.
- نعيم أهل الجنة وحال أهلها:
بعد البعث والحشر، والحساب، والجزاء ينقسم الناس إلى فريقين فريق في الجنة، وفريق في السعير، فأما أهل الجنة ففي نعيم دائم، يقول تعالى في سورة يونس عليه السلام مبينا نعيمهم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ{9} دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{10}( [يونس:9-10] .
قال ابن جرير – رحمه الله – في قولـه تعالى: "تجري من تحتهم الأنهار في جنّاتِ النّعيم"، فإن قال قائل: وكيف قيل تجري من تحتهم الأنهار، وإنما وصف جل ثناؤه أنهار الجنة في سائر القرآن أنها تجري تحت الجنات، وكيف يمكن الأنهار أن تجري من تحتهم إلا أن يكونوا فوق أرضها، والأنهار تجري من تحت أرضها، وليس ذلك من صفة أنهار الجنة، لأن صفتها أن تجري على وجه الأرض في غير أخاديد؟ قيل: إن معنى ذلك .. تجري من دونهم الأنهار إلى ما بين أيديهم في بساتين النعيم، وذلك نظير قولـه تعالى: ( قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً{24}( [مريم:24] ومعلوم أن لم يجعل السري تحتها وهي عليه قاعدة .. وإنما عني به جعل دونها: بين يديها .." ا.هـ (23) .
ويقول تعالى في وصف حال أهل الجنة: ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{26}) [يونس:26] .
ونعيم الجنة لا يمكن وصفه، ففيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، روى أبو هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين: ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر"، فاقرؤوا إن شئتم: ( فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{17}) [السجدة:17] (24) ومن أعظم نعيم أهل الجنة رؤية الله تعالى كما جاء ذلك في تفسير قوله تعالى من سورة يونس: (لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ..) [يونس:26] فالزيادة هي الرؤية وقد سبق تفصيل ذلك (25) ، جعلنا الله من أهلها بمنه وكرمه.
ولهذا كان من أسمائها دار السلام، لأنها سلمت من كل الآفات، والأكدار والمنغصات، وسلم أهلها من العيوب والنقائص، وتعظيماً لها إذا اشتق لها البارئ سبحانه اسماً من أسمائه (السلام)، ولكثرة ما فيها من التحية والسلام (26) وقال تعالى: (دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ ) [يونس:10] ، ويقول تعالى: (وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ{25}( [يونس:25] .
ومن أسماء الجنة التي وردت في السورة – أيضاً – (قدم صدق) قال تعالى: ) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِم) [يونس:2] .
ونظير ذلك تسميتها (بـمقعد صدق) قال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ{54} في مقعد صدق عند عزيز مقتدر}55{) [القمر:54-55] .
قال ابن القيم – رحمه الله – : "سمى جنته مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها ما يقال: مودة صادقة، إذا كانت ثابتة تامة .." (27) .
2- عذاب أهل النار وحال أهلها:
وما أهل النار – أعاذنا الله منها – فهم في عذاب دائم، يقول تعالى مبينا خزيهم، وصفاتهم قبل نزول العذاب بهم: (إَنَّ الَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ لِقَاءنَا وَرَضُواْ بِالْحَياةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّواْ بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ{7} أُوْلَـئِكَ مَأْوَاهُمُ النُّارُ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ{8}) [يونس:7-8] .
وفي الحديث عن أنس يرفعه: "أن الله يقول لأهون أهل النار عذاباً: لو أن لك ما في الأرض من شيء كنت تفتدي به؟ قال: نعم، قال: فقد سألتك ما هو أهون من هذا وأنت في صلب آدم: ألا تشرك بي فأبيت إلا الشرك (28) .
وتعظم أبدانهم للعذاب كما في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ضرس الكافر، أو ناب الكافر، مثل أُحد، وغلظ جلده مسيرة ثلاث" (29) .
وهم متفاوتون في العذاب، وذلك بحسب كفرهم، وإفسادهم قال تعالى: (الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَاباً فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ{88}) [النحل:88] .
وكذلك عصاة المؤمنين عذابهم متفاوت، فمنهم من يشتد عذابه، إما لوجود حسنات ماحية، أو يغفر الله تعالى له بعض ذنوبه، وهذا فيمن دخل النار منهم (30) .
والجنة، والنار بما فيهما من النعيم، والعذاب، مخلوقتان الآن، معدتان لأصحابهما، كما دل عليه القرآن، وتواترت به السنة، وكما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة (31) .
قال ابن كثير – رحمه الله – : "والجنة والنار موجودتان الآن، معدتان لأصحابهما، كما نطق بذلك القرآن؟ وتواترت بذلك الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة، وهي السنة المثلى إلى قيام الساعة" (32) .
3- أبدية الجنة والنار:
قال تعالى في بيان خلود الجنة: ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ{26}) [يونس:26] .
أي ذوقوا العذاب الدائم الذي لا ينقطع جزاء كفركم وعنادكم.
وفي أبدية الجنة والنار عدة أقوال منها ما يتعلق بالجنة والنار معاً، ومنها ما يختص بالنار، فأما ما يتعلق بهما ففيه أربعة أقوال:
الأول: ما اتفق (33) عليه سلف الأمة، من أهل السنة والجماعة، وهو القول بخلود الجنة والنار، وأبديتهما، وأن نعيم الجنة دائم لا ينقطع.
وكذا عذاب النار دائم، وأن أهل النار من الكفار والمشركين خالدون فيها أبداً، وأما أهل الكبائر من عصاة المؤمنين ممن دخلها، فهم يخرجون منها إذا شاء الله، ويدخلون الجنة برحمة أرحم الراحمين.
الثاني: القول بفناء الجنة والنار، وفناء أهلهما، وهذا القول تفرد به الجهم بن صفوان، ودليله أن ما ثبت حدوثه استحال بقاؤه، وأبديته(34) ، ولقوله تعالى: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ( [القصص:88] .
الثالث: القول بفناء حركات أهل الجنة، وأهل النار، وأنهم يأتي عليهم زمان يصبحون بمنزلة الجماد، الذي لا حركة له، ولا استلذاذ له بالنعيم، ولا إحساس له بالعذاب، وهو قول محمد بن الهذيل
العلاف (35) ، وهذا بناء على قولهم "بامتناع حوادث لا نهاية لها".
الرابع: القول بخروج أهل الجنة، وأهل النار ونسبه ابن حزم – رحمه الله – إلى بعض الروافض.
وأما ما يختص بالنار فقط ففيه – علاوة على ما سبق – أربعة أقوال:
الأول: القول بخلود النار، فمن دخلها لا يخرج منها، حتى ولو كان من عصاة الموحدين، وهو قول الخوارج (36) ، والمعتزلة.
قال القاضي عبدالجبار الهمذاني: "الفاسق يخلد في النار، ويعذب فيها أبد الآبدين ودهر الداهرين" ا.هـ (37) .
واستدلوا بعموم الوعيد (38) .
الثاني: قول الاتحادية (39) ، وزعيمهم ابن عربي الطائي وهو أن أصحاب النار تنقلب طبيعتهم إلى طبيعة نارية تتلذذ بالعذاب.
الثالث: قول من يقول، أن أهل النار يتعذبون فيها مدة معينة ثم يخرجون، ويخلفهم آخرون، وهذا القول حكاه الله جل وعلا عن اليهود في قوله تعالى: (وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْداً فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ{80})[البقرة:80] .
الرابع: القول بفناء النار، ومال إلى هذا القول ابن القيم – رحمه الله – ونُسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله، وسيأتي بيان صحة نسبة هذا القول إليهما (40) .
واستدلوا: بالآيات التي فيها تعليق بقائهم في النار بالمشيئة كقوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107}) [هود:106-107] .
واستدلوا أيضاً بقوله تعالى: (لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَاباً{23}) [النبأ:23] .
قالوا: "فهذا صريح في وعيد الكفار المكذبين بآياته، ولا يقدر الأبد بهذه الأحقاب ولا غيرها، كما لا يقدر به القديم" (41) .
واستدلوا أيضاً ببعض الآثار عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج (42) ، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه" (43) .
ونحو ذلك روي عن ابن مسعود وأبي هريرة، وأبي سعيد الخدري وغيرهم – رضي الله عنهم أجمعين – وسيأتي بيان ما فيها (44) .
واستدلوا من العقل أيضاً فقالوا: "الجنة موجب رحمته ورضاه والنار من غضبه وسخطه، ورحمته تعالى تغلب غضبه، وتسبقه كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لما قضى الله الخلق كتب في كتاب فهو عنده موضوع على العرش أن رحمتي تغلب غضبي" (45) وإذا كان رضاه قد سبق غضبه، وهو يغلبه كان التسوية بين ما هو من موجب رضاه، وما هو من موجب غضبه ممتنعاً" (46) .
ولهم أدلة أخرى (47) .
والقول الحق هو القول الأول وهو ما عليه أهل السنة، والأدلة على ذلك من الإجماع، ومن الكتاب، والسنة.
قال ابن حزم – رحمه الله – : "اتفقت الأمة كلها برها وفاجرها – حاشا ابن صفوان وأبي الهذيل محمد بن الهذيل العلاف العبدي البصري – على أن الجنة لا فناء لنعيمها، والنار لا فناء لعذابها، وأن أهلها خالدون أبد الأبد فيها إلى ما لا نهاية .." ا.هـ (48) .
وقال السبكي – رحمه الله – : "أجمع المسلمون على اعتقاد ذلك "أي خلود أهل النار وتلقوه خلفاً عن سلف عن نبيهم صلى الله عليه وسلم وهو مركوز في فطرة المسلمين معلوم من الدين بالضرورة بل وسائر الملل غير المسلمين .." ا.هـ (49) .
ونقل الإجماع – أيضاً – ابن تيمية (50) ، والسفاريني (51) ، وغيرهم(52) .
وأما الكتاب فالآيات قطعية الدلالة على ذلك، كثيرة يصعب حصرها منها قوله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً{64} خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لَّا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلَا نَصِيراً{65}) [الأحزاب:64-65] ، وقوله: (عطاء غير مجذوذٍ ) أي غير مقطوع.
وأما السنة المتواترة، فمنها حديث ذبح الموت، كما في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح، فينادي منادٍ: يا أهل الجنة، فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون؟ فيقولون نعم، وكلهم قد رآه فيذبح ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ: (وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ{39}) [مريم:39] (53) .
وكذا العقل دلَّ على ذلك، إذ إن النار جزاء الكفر، وهذا الكفر دائم لا نهاية له، فناسب أن يكون العذاب دائماً بلا انقطاع.
والنار لا تطهرهم إذ قد أخبر الله عز وجل بأنهم لو ردوا إلى هذه الحياة لعادوا لكفرهم وعنادهم، فهم إذن مخلدون في النار أبد الآباد، وكذلك أهل الجنة خالدون في الجنة أبد الآباد (54) .
أما قول الجهم بن صفوان، وقول أبي الهذيل العلاف، فهما قولان مردودان لما سبق من الأدلة، ولهذا حكم السلف بكفر الجهمية (55) .
وقول العلاف أشنع من قول الجهم، لأن مؤدى قول الجهم أن الله يفني الجنة والنار، ولكنه لا يزال قادراً على خلق مثلهما، أما قول العلاف فمؤداه أن الله عز وجل في تلك الحال، لا يقدر على تحريك ساكن ولا تسكين متحرك، ولا إماتة، ولا إحياء تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً (56) .
وأما الاستدلال بقوله تعالى: ( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)
[القصص:88] .
فلا دليل فيه إذ هو إما من العام المراد به الخصوص، أو من العام المخصوص وهو محتج به بالإجماع (57) ، وقد اتفق العلماء على أن هناك ثمانية أشياء مستثناة من هذا العموم وهي الجنة، والنار والعرش، والكرسي، واللوح، والقلم، وعجب الذنب والأرواح (58) .
ومثل هذا القول قول من يقول بخروج أهل الجنة وأهل النار.
وأما ما عليه الخوارج والمعتزلة، من القول بتخليد العصاة في النار(59)، فهو قول باطل لقولـه تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً{48}) [النساء:48] وغيرها من الآيات، فقد خص الله تعالى الشرك بعدم المغفرة وعلق ما سواه من الذنوب بالمشيئة، فما شاء تعالى غفره، وما شاء تعالى عذّب عليه.
ولما ثبت من الأحاديث المتواترة (60) في خروجهم من النار، ودخولهم الجنة، كأحاديث الشفاعة (61) ، وغيرها.
وآيات الوعيد قد يتخلف موجبها، لعدة أسباب منها:
1- التوبة الصادقة، وهذا لا خلاف فيه.
2- الحسنات الكثيرة، والاستغفار.
3- وقوع المصائب المكفرة.
4- العذاب في القبر، وشدة أهوال يوم القيامة.
5- الشفاعة للمذنبين، ممن رضي الله عنه، وأذن له بالشفاعة.
6- مغفرة الله تعالى للعبد وتجاوزه عنه برحمته، بلا سبب من العبد(62) .
وأما قول الاتحادية – قبحهم الله – فتصوره كافٍ في بطلانه، إذ هو إنكار للحس ومكابرة للعقل.
وكذلك قول اليهود فهو قول بلا دليل ولا برهان وقد كذّبهم الله في دعواهم هذه، وطالبهم بالبرهان على ذلك.
وجميع هذه الأقوال منسوبة إلى المبتدعة، وأهل الكفر والضلال، وعندهم من البدع غيرها كثير الذي يهمنا من هذه الأقوال من القول الأخير، وهو القول بفناء النار، إذ قد نُسب إلى السلف، كما ذكر ذلك شارح الطحاوية (63) ، وغيره، وهم في الحقيقة منه براء، إذ هو من أقوال الجهمية، ولم يثبت عن أحد من السلف (64) كما سيأتي بيانه، وليس عندهم في هذه المسألة إلا قول واحد وهو أبدية النار وعدم فنائها كما سبق بيان ذلك.
فأما ما استدل به من يقول بفناء النار فقوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ{106} خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ{107} )[هود:106-107] .
الأول: إن السماوات والأرض المذكورة، المقصود بها سماوات الآخرة وأرضها وهي أبدية باقية على الدوام، واختار هذا ابن كثير – رحمه الله – .
الثاني: إن هذا جار على أسلوب العرب، إذا أرادوا الإخبار عن شيء ودوامه، قالوا – على سبيل المثال – لا آتيك ما دامت السماوات والأرض أو ما اختلف الليل والنهار، وما سمر لنا سمير، ونحو ذلك(65).
وقوله في الآية السابقة: (إلا ماشاء ربك إن ربك فعّال لما يريد )
فالجواب عنه من عدة أوجه:
الأول: إن هذا الاستثناء جاء أيضاً في حق أصحاب الجنة، ومع ذلك فلم يقل أحد من أهل السنة أن الجنة تفنى، وإنما حملوا المتشابه على الحكم، فمثل ذلك يقال في أصحاب النار.
الثاني: إن هذا الاستثناء حقيقي، وواقع على طبقة من طبقات جهنم وهي طبقة العصاة، من الموحدين.
الثالث: إن هذا الاستثناء واقع على المدة التي يكون فيها الخلق في الموقف، أو في البرزخ، أو الحياة الدنيا، ورجح هذا ابن جرير – رحمه الله – .
الرابع: إن هذا الاستثناء استثناء، استثناه الله تعالى وهو لا يفعله كما يقال: "والله لأضربنك إلا أن أرى غير ذلك"، مع الجزم على الضرب.
الخامس: إن هذا الاستثناء إعلام لهم بأن خلودهم بمشيئة الله عز وجل، لا أنهم أصبحوا قابلين للخلود أو أن ذلك واجب على الله، وهذا نظير قولـه تعالى: (وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً{86}) [الإسراء:86] فالنبوة فضل وعطاء من الله، ولو شاء لسلبها ولكنه لم يشأ.
السادس: إن هذه الآية من المتشابه الذي لا نعلم بالمراد به، فيحمل المتشابه على المحكم، الصريح بتخليدهم في النار.
السابع: إن هذا الاستثناء على حقيقته، وهو واقع على الفترة التي تتبدل فيها جلودهم كما قال تعالى: ( كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ ) [النساء:56] .
الثامن: إن هذا الاستثناء بمعنى "سوى" فيصير المعنى "خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض سوى ما شاء ربك أن يزيدهم من العذاب"، وهو استثناء واقع على المدة.
وقيل بمعنى "الواو"، وقيل بمعنى "لكن" فيكون الاستثناء منقطعاً وقيل لمعنى "مَنْ" ويكون المعنى "خالدين فيها .. إلا من شاء ربك عدم خلودهم" فيكون الاستثناء واقعاً على الأعيان (66) .
فلا دليل فيها – أيضاً – على انقضاء عذاب أهل النار، ويجاب عنها بعدة أوجه:
الأول: إن المراد بالأحقاب المدد الطويلة، التي لا نهاية لها.
الثاني: إن ذلك جار على أسلوب العرب في الخطاب، كما سبق بيان ذلك (67) .
الثالث: إن هذه الآية من قبيل المتشابه، فتحمل على المحكم.
الرابع: إن قولـه تعالى عقب هذه الآية: ( فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً{30} )[النبأ:30] يرد استدلالهم بالآية.
قال الإمام الصنعاني – رحمه الله – : "فزيادة العذاب بعد الأحقاب، بل خص تعالى الزيادة على العذاب، وأنه تعالى لا يزيدهم بعد لبث الأحقاب إلا عذاباً فانتفى مفهوم العذاب الذي أفاده الجمع"(68).
الخامس: إن قولهم استدلال بمفهوم العدد، وهو أضعف أنواع المفاهيم، فلو خالف مفهوم آخر لقدم عليه ذلك المفهوم الآخر، فكيف وقد خالف المنطوق الصريح في آيات تخليد الكافرين في النار.
السادس: إن مدة الأحقاب واقعة على تعذيبهم، بالحميم والغساق فإذا انقضت هذه الأحقاب، عُذبوا بنوع آخر من العذاب، ومال إلى هذا القول ابن جرير والإمام الشنقيطي – رحمهما الله – (69) .
ويقال لهم إجمالاً، إن القول بفناء النار لا يخلو من خمسة وجوه:
الوجه الأول: القول بفنائها، وفناء عذابها تبعاً.
الوجه الثاني: موت من فيها، وبقاؤها على حالها.
الوجه الثالث: خروج من فيها، وبقاؤها على حالها.
الوجه الرابع: أن يقال ببقائهم فيها مع تخفيف العذاب أو زواله.
الوجه الخامس: بقاء النار ودوامها أبداً.
فأما الأربعة الأولى، فقد أبطلها القرآن ونص على فسادها، فالأول في قوله تعالى: (مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً{97} ) [الإسراء:97] .
ومعلوم أنه "كلما يقتضي التكرار بتكرار الفعل الذي بعدها.
وأما الثاني: فباطل أيضاً بقولـه تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ) [فاطر:36] .
وأما الرابع: ففي قوله تعالى: (وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ{36}) [فاطر:36] وإذا انتفى التخفيف، انتفى من باب أولى زوال العذاب بالكلية أو استحالته عليهم لذة.
وببطلان الأربعة الوجوه، يتعين بطريق السبر والتقسيم، الوجه الخامس (70) .
وأما الآثار التي استدلوا بها، ففيها مسلكان:
الأول: من حيث ثبوتها: فهي لم تثبت، وهي ضعيفة كما ذكر ذلك العلماء، بل وفيها الموضوع، وأحسن ما فيها أثر عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – عن الحسن – رحمه الله – وقد تبين أنه منقطع، حيث لم يثبت لقاء الحسن بعمر، والأئمة لا يعملون بمراسيل الحسن – رحمه الله – في أحكام الطهارة فكيف بهذه المسألة العظيمة من مسائل العقيدة، قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في هذا الأثر: "فهو منقطع، ومراسيل الحسن عندهم واهية، لأنه كان يأخذ من كل أحد"(71).
الثاني: على فرض ثبوتها فهي محمولة على أمرين:
الأول: أن المراد بها، نار العصاة من الموحدين، إذ قد عُلم قطعاً خروجهم من النار، ودخولهم الجنة، وفناء نارهم.
الثاني: إن هذه الآثار في غير محل النزاع، إذ هي تدور حول خروج أهل النار من النار، وليس فناء النار، والخروج من النار لا يعني خلوها وفناءها، بل يحتمل وجود بقية باقية، وعليه فالاستدلال بها في غير محل النزاع، فلا يصح نسبة القول بفناء النار إلى أحد من الصحابة (72) .
وأما استدلالهم بالعقل، فهم في الحقيقة قد وقعوا فيما حذروا منه أهل البدع والتأويل، وبطلان هذا الاستدلال يتبين بما يلي:
1- لو كفر كافر بالله تعالى طول عمره، وعندما أدركه الموت تاب وأناب في الغرغرة، فحكمنا عليه بالكفر إجماعاً، لأن التوبة لا تقبل حينئذ، فكيف بمن مات مصراً على كفره، وعناده، لاشك أنه أسوأ منه، فهل يعقل أن تفنى ناره، ويدخل الجنة، لاشك أن هذا محال (73)
2- إن الرحمة المذكورة في الآيات والأحاديث، إنما هي خاصة للمؤمنين لا يستحقها غيرهم (74) .
3- إن هذا القول يلزم منه دخول فرعون وهامان، وسائر الكفرة إلى الجنة بعد فناء نارهم، وهذا لم يقل به مسلم ولا يهودي، ولا نصراني (75) .
وأما ما نسب إلى شيخ الإسلام – ابن تيمية – رحمه الله – وما ورد عن تلميذه ابن القيم – رحمه الله – مع جلالة قدرهما، وسعة علمهما(76) ، فالجواب عن ذلك بما يلي:
أولاً: إنه قد ورد عنهما خلاف ذلك كما جاء عن ابن تيمية في الفتاوى وغيرها (77) ، وكما جاء في كتب ابن القيم (78) – رحمهما الله –.
ومن حسن الظن بهذين الإمامين القول إن ذلك القول متأخر، لما لهما من العلم والفضل، ولما لهما من الجهود في إبطال البدع، والرد على أصحابها، مما لا يزال أثره إلى اليوم قائماً، وإصرارهما على هذا القول بما يستبعد.
ثانياً: أن يحمل قولهما على نار العصاة.
ثالثاً: إنه لم يوجد نقل صحيح صريح من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وكل ما في هذه المسألة هو ما نقله عنه تلميذه ابن القيم – رحمه الله – .
أما ابن القيم فلعل إيراده للأدلة، لبيان أوجه تأويل الآية،ويؤيد ذلك قولـه بعد سرد الأدلة: "فإن قيل: فإلى أين انتهى قدمكم في هذه المسألة العظيمة الشأن، التي هي أكبر من الدنيا بأضعاف مضاعفة؟ (79) .
قيل: إلى قولـه تبارك وتعالى: (إن ربك فعّال لما يريد ) [هود:107] .. ا.هـ (80) .
ويؤيد ذلك أيضاً، استدلاله بأقوال السلف في تلك المسألة – كما سبق الإشارة إلى ذلك – من تعليق منه، ولو كان يعتقد خلاف ذلك لبينه (81) .
رابعاً: لعل ذلك القول صدر في أول حياتهما، وقبل تمرسهما في العلم، ثم تبين لهما بطلان ذلك فرجعا عنه، وهذا كثير في حياة العلماء، فالعالم قد يكون له قولان أو ثلاثة في المسألة، ومع ذلك لا ينكر عليهم (82) .
خامساً: ويقال أيضاً ربما حملهما على هذا القول، توهمهما أن هذا القول لبعض الصحابة فتابعوهم عليه، وساعد على ذلك شدة الخوف من الله، مع عظيم الرجاء بسعة عفوه ومغفرته، مع ما تأولا من ظواهر النصوص السابقة، وهما بشر والبشر ليس معصوماً (83) .
بارك الله فيك اخي سيف الدين وجزاك الله كل الخير على هذا الموضوع القيم والمفيد احسنت الاختيار اخي الكريم اللهم اجعلنا من اهل الجنة وابعد عنا العذاب امين يا رب العالمين دمت في حفظ الله ورعايته
يا قارىء خطى لا تبكى على موتى .. فاليوم أنا معك وغدا فى التراب فإن عشت فإنى معك وإن مت فتبقى للذكرى .. ويا مارا على قبرى لا تعجب من أمرى .. بالأمس كنت معك وغدا أنت معى .. أموت ويبقى كل ما كتبته ذكرى .. فيا ليت كل من قرأ خطى دعا لى