لا يختلف إثنان على أن اكتساب الطفل معنى
حب الحياة والاستمتاع بها يناله من والديه فالأبناء سر أهلهم ونظرتهم إلى
الحياة تكون نسخة عن نظرة الوالدين، فإذا كانا من النوع المتفائل ويحبان
الحياة من الطبيعي أن ينشأ الأبناء على هذا المنوال.
ويرى اختصاصيو
علم النفس أن شعور الطفل بتفاؤل والديه لا يكفي بل عليهما أن يتبعا أسلوبًا
تربويًا يعزز لديه الشعور بمتعة العيش والسعادة بأنه موجود في هذه الحياة.
ويعدّ الشعور بحب الوالدين وعاطفتهما أولى خطوات تعزيز حب الحياة عند
الطفل، ولكن الإحساس وحده لا يكفي فالكلمات التي تعبّر عن هذا الحب يكون
وقعها إيجابيًا جدًا في نفس الطفل، فمن الضروري أن يقول الوالدان عبارة
أحبك كثيرًا، أو أنهما سعيدان لأن لديهما طفلاً مثله، ومن الضروري أن يكون
لدى الطفل شعور بأن والديه يحبانه مهما فعل وكيفا تصرّف، مما يمنحه الثقة
بنفسه ويساعده على التطور والنمو في شكل سليم.
- فهل جميع الأطفال لديهم الاستعداد نفسه لاستقبال السعادة؟
بعض الأطفال أكثر تحفظًا من غيرهم، خصوصًا الأطفال القلقين، أو الذين
يعيشون بتوتر دائم أو الذين يريدون أن ينالوا المتعة فورًا، فهؤلاء الأطفال
لديهم صعوبة أكبر في أن يكونوا سعداء مثل أقرانهم، أوهادئين أو قادرين،
وهذا ليس له علاقة بالوراثة، بل الأسلوب التربوي الذي يتّبعه الأهل هو الذي
يزيل هذه الصعوبة.
- ماذا يعني كون الطفل سعيدًا؟
كثيرًا ما
يختلط الأمر على بعض الأهل فيظنون أنهم حين يوفرون لطفلهم كل ما يتمناه من
ألعاب وثياب يكون طفلاً سعيدًا فيما الحقيقة عكس ذلك، فالطفل المستهلك ليس
طفلاً سعيدًا من المؤكد أن الطفل في حاجة إلى أن تلبى رغباته، ولكن هذا ليس
موضوع التربية، فالمتعة الفورية ليست لها قيمة مقارنة بما يمكن الأهل
تعليمه لطفلهم: قبول ذاته، قبول الآخرين، قبول الواقع.
الطفل السعيد هو
الطفل الذي يعرف نفسه، والقادر على أن يكون في تواصل مع الآخرين، ويتآلف
مع متطلبات الحياة وتقلّباتها، ويعرف أن فيها أموراً سيئة وليس في إمكانه
إزالتها. هذا هو الطفل السعيد.
- ولكن هل يكفي أن يقول الأهل لأبنائهم نحبكم حتى ينشأوا سعداء متفائلين يحبون الحياة؟
يجيب الاختصاصيون بالطبع كلمة أحبك وحدها لا تكفي بل هناك طرق تربوية تعزز هذا الشعور عند الطفل الذي يقلد والديه في كل شيء.
وهذه 9 طرق ينصح بها الاختصاصيون
1- أن يكون الأهل النموذج الجيد
من المعلوم أن الطفل يراقب والديه ويقلّدهما في كل شيء وهذا ما يعرف
بالتربية الصامتة فنظرته إلى الحياة تعكس نظرتهما، فإذا كان يرى والديه
يتذمّران طوال الوقت، ولا يشعران بالاكتفاء ويصابان بالتوتر والقلق عند كل
مشكلة يواجهانها فمن الطبيعي أن يكون مثلهما.
بينما إذا كان الأهل
يتصرفون بحكمة إذا ما واجهتهم مشكلة ويجدون الحلول وكانوا دائمي الابتسام
رغم كل الصعاب والهموم، فإن الطفل سيطوّر قدرته على التكيف مع الظروف مهما
كانت صعبة ويكتسب القدرة على إيجاد الحلول بدل البكاء والشعور بالعجز.
2- الإصرار على الاستمتاع بالحاضر
لنفترض أن العائلة مجتمعة في أحد المطاعم لتناول العشاء، فإذا كانت الأم
أو الأب مثلاً من النوع الذي يتذمر عند أي هفوة يرتكبها النادل أو بسبب بطء
الخدمة، ويجعل الجلسة كلها مرتكزة على هذا التفصيل، ماذا يعلّم طفله؟
التركيز على كل تفصيل لا يكون على هواه لايقدم ولا يؤخر، ويؤدي بالتالي إلى
إهمال التفاصيل الأخرى الجميلة في المطعم وعدم الاستمتاع باللحظة.
بينما
إذا قالت الأم صحيح ان الخدمة بطيئة ولكن المكان جميل. كم أنا سعيدة لأننا
مجتمعون هنا نتناول العشاء، تكون بذلك تعلم طفلها الاستفادة من الحاضر
والاستمتاع باللحظة التي يعيشها.
3- مساعدة الطفل على التخلص من التوتر والقلق
يقول الشاعر ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
من أهم مفاتيح السعادة في الحياة هو أن نفهم أن ليس كل ما نتمناه في
الحياة يجب الحصول عليه، ولا يجوز أن نشعر بالتعاسة لأننا لم نحصل على ما
نرغب فيه.
وهذا بالطبع يتعلمه الطفل من والديه، فإذا كانت الأم مثلاً
تبدي ندمها وأسفها طوال الوقت لأنها لم تحصل على كل ما ترغب فيه، وتتذمر من
الحياة لأنها ليست عادلة معها، فمن الطبيعي أن يتأثر الطفل بهذا السلوك
ويتربى عليه.
لذا بدل التذمر في إمكان الأم ان تجد أمرًا آخر مسليًا،
مثلاً مشروع نزهة في عطلة الأسبوع، أو القول إن شيئًا ما جميلاً سيحدث في
المستقبل، فهي بذلك تعلّم طفلها أن في الحياة أمورًا كثيرة تشعرنا بالسعادة
وعلينا أن نتفاءل دائمًا بالمستقبل، لا أن نتذمر طوال الوقت.
4- منح الطفل الثقة بالنفس
عندما يشعر الطفل بقدراته و بمواهبه، فإنه لا يشعر بالإحباط بسرعة أمام
الصعاب التي يواجهها في الحياة. ولكي يعزز الأهل الثقة بنفسه عليهم أن
يكونوا إيجابيين في تعليقاتهم.
فبدل أن يعلّق الوالد على علامة عالية
نالها الابن بالقول: لا بد أن المسابقة كانت سهلة يمكنه التعليق: برافو،
أنت موهوب ولا بد أنك أصغيت جيداً إلى تعليمات الأستاذ. وعلى الوالدين ألا
يترددا في تهنئته عندما ينجح في إنجاز أمر جديد.
5- جعل الطفل يرى الكوب من نصفه الملآن
من الضروري تعويد الطفل النظر إلى الأمر الإيجابي في كل موقف يتعرّض له،
أي أن يرى النصف الملآن من الكوب... فمثلاً إذا لم يستطع الخروج لأن الطقس
ماطر، يمكن القول له كم جميل أن نبقى في المنزل ونشاهد فيلمك المفضّل ونأكل
البوب كورن. فمن الضروري أن يضفوا نظرتهم الإجابية على كل الأمور، فهذا
يشعر الطفل بالسعادة.
6- تعليم الطفل العيش مع الآخرين
يقول
المثل الجنة بلا ناس لا تداس وهكذا لا يمكن أن يكون الإنسان سعيدًا إذا عاش
وحده من دون أصدقاء. ولتعليم الطفل الانفتاح، فهو بحاجة إلى اكتساب مهارة
التواصل مع الآخرين وبناء علاقات منسجمة معهم.
لذا على الأم ألا تتردد في تشجيعه على دعوة رفاقه في الصف إلى المنزل للعب.
كما يمكنها تسجيله في نشاطات لا صفية تتطلب المشاركة ضمن فريق، فمن الضروري أن يخضع لتجربة المشاركة والمواجهة أيضًا.
7- جعل الطفل يشعر بأن المستقبل دائمًاأفضلوأكثرسعادة
يميل الأطفال بطبعهم إلى تخيل مستقبل وردي، فغالبًا ما نسمع طفلاً يقول
عندما أكبر سوف أصبح مليارديراً أو طبيبًا أو سأبني بيتًا كبيرًا
وجميلاً... ولكن أيضًا من المهم جدًا أن تعكس الأم صورة جميلة عن الحياة
غنية بالمفاجآت السارة، ولكن من الضروري أن تكون مقتنعة بما تقوله وليس
مجرّد كلام. لذا عليها أن تضع الحجر الأساس لهذا التفاؤل. فالطفل يشب على
صورة والديه التي ينقلانها إليه بطريقة غير مباشرة.
8- أن يعرف الأهل كيف يقوّمون طفلهم
مع مرور الوقت يتلقى الإنسان صورًا سلبية من المحيط الخارجي. فمثلاً ليس
موهوبًا بما يكفي، ليس جميلاً جدًا، ليس على المستوى، وعلى الأهل ألا
يتركوا طفلهم يتأثر بالصور القبيحة التي تأتيه من المحيط الخارجي.
فمثلاً عندما يقول أنا قبيح أو أحمق، على الأم أن تتلقف هذه الصورة السلبية
عن نفسه وتقوّم سلوكه وما يتمتع به من ميزات كأن تقول له مثلاً أنت تجعلني
دائمًا أبتسم، أحب كثيرًا التحدّث إليك، كما تمتدح ما يعرف القيام به كأن
تقول له مثلاً أنت فعلاً موهوب في الرسم.
9- جعل الحياة احتفالاً دائمًا
التخطيط لنزهة في البرية، مشاهدة فيلم عند المساء، الحصول على كوب من
الشوكولا الساخنة بعد نزهة تحت المطر... هذه اللحظات الممتعة تغني شخصية
الطفل وتجعله قويًا في مواجهة صعاب الحياة.
فهو عندما يعيش لحظات سعيدة
مثل هذه اللحظات، يصير في إمكانه مواجهة صعاب الحياة لأنه يعرف أن السعادة
موجودة وأنه في إمكانه أن يجدها
م ن.