أهلا وسهلا بك ضيفنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمات، بالضغط هنا.كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، وفي حال رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
هل هو مجرد الصورة التي تراها لنفسك حيثما تنظر ف في المرآة؟ هل الإنسان هو مجموع ما فيك من شحم و لحم و عظم و أحشاء و مجموع ما تتألف منه من عناصر و مركبات و ما ينطوي فيك من غرائز و ما يعيش في عقلك من هواجس و خيالات؟ هل هو مجموع المنظور و المحسوس و الملموس فيك؟ لا أظن أن هذا هو أنت. هذا هو ما يظهر لك و لي و لأجهزة التصوير و الاستشعار المختلفة.. هذا هو مجرد الجانب المشهود منك.
أما حقيقتك، فهي في "العمق".. في الجانب الذي يخفى عنا و عنك و عن جميع أجهزة الاستشعار و جمبع وسائل الحساب المعروفة.. هي في الجانب الغيبي فيك.. فمن هذا الجانب يأتيك المدد لكل ما يظهر و ما يتجلى في أفعالك.. و فيه تفسير الكتاب الجامع الذي إسمه "الإنسان". الإنسان يتضمن غيبا خفيا إسمه "النفس". و نفسك كانت موجودة قبل أن تتلبس بجسدك و قد إستدعاها الله من ظهور أجداد أجدادك قبل أن يظهر لك أب و أم و قبل أن تأتي إلى رحم أمك من خلية ملقحة. «وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى.. (172) الأعراف.
لقد نطقت نفسك ساعتها بدون لسان و شهدت على نفسها بدون جسد و عرفت ربها بدون مخ.. هذا هو أنت.. و معنى ذلك أنه كان لك حضور غيبي و كانت لك شخصية غيبية، كمان أن لك شخصية مشهودة هي التي تراها الآن.. و لا عجب في ذلك، فأنت في الأحلام ترى بدون عينين، و تتكلم بدون لسان، و تسمع بدون أذن و تمشي بدون أرجل، و أنت في الأحلام تسافر إلى بلاد لم تطأها بقدمك و لم ترها بعينيك، فيخيل إليك أنك تعرفها من أمد بعيد. في الأحلام تتحدث إليك الشياطين و الملائكة.. و في رؤى الأنبياء يكلم ربنا أنبياءه و في رؤى الناس العاديين تتحدث إليهم نفوسهم الأمارة بما تشتهي، فكل الأحلام أحاديث.. كل نفس تتحدث على مستواها.. و لهذا سماها ربنا في القرآن "الأحاديث"، يقول لربنا ليوسف الصديق: وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ.. (6) يوسف. فسمى جميع الأحلام أحاديث.
و النفس طرف مشترك في كل تلك الأحاديث، و هي تتحدث بدون لسان و ترى بدون عين و تسمع بدون أذن. و هي تسافر بدون مواصلات و تطير بدون أجنحة، فترى الأم إبنها في أمريكا مريضا طريح الفراش.. و دون أي مقدمات لهذا الخبر و ذلك أيصا علم بدون معلم و رؤية لغيب محجوب، فيلزم من كل هذا أن نقول إن الإنسان وجود غيبي و ليس مجرد وجود مشهود و إن له نفسا تستطيع أن ترى و تسمع و تتنقل بذاتها، و ذلك هو اللغز الذي إسمه "النفس". اما الروح التي هي نفخة من الله في الطين لتقوم تلك النفس من العدم، فذلك غيب آخر.. و الإنسان كل هذا. و مجيئ النفس بأخلاق معينة و شخصية معينة بخيرها و شرها يدل على ثبوتية اختيار لتلك النفس في حال عدمها.. حينما كانت مجرد أحد الممكنات.. و ذلك غيب ثالث أشد غموضا و أكثر إلغازا.. و لذلك يحاسب الله النفس على إجرامها و شرها لأنه لم يخلقها مجرمة و لم يجعلها شريرة، هي قد إختارت الشر و أضمرت الإجرام منذ الأزل.. و قبل ان يعطيها الجسد لتفعل و لا تفعل. يقول إبن عربي: "إن التشخص أزلي" و إن النفس كان لها ثبوتية وصف و ثبوتية إختيار منذ الأزل حينما كانت مجرد "أحد الممكنات".
هناك إذن مستويات من الوجود.. مستوى عالم الإمكان قبل الخلق، ثم الاستدعاء الرباني للوجود.. ثم ملابسة الجسد الذي نعرفه بمواصفاته، ثم النفحة التي جعلت منك ما أنت عليه. و لا نعرف من هذه المستويات إلا المستوى الجسدي.. و حتى هذا لا نعلم عنه إلا القليل.. أما النفس و حالها في عالم الإمكان.. و النفس حينما استدعاها ربها و ألبسها حلية الجسد.. ثم النفحة الرحمانية و أسرارها.. فكل هذا غيب مطلسم بالنسبة لنا. و ذلك حظنا القليل التافه من المعرفة لأقرب شئ إلينا.. الإنسان.. و هذه نفسك.. فكيف تدعي معرفة نفوس الآخرين؟ و كيف تدعي الإحاطة بالكون؟ و كيف يأخذك الغرور بعلمك، فتنسى ربك الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك؟ فهلا سجدت لله حياء و استغفرت؟
يا قارىء خطى لا تبكى على موتى .. فاليوم أنا معك وغدا فى التراب فإن عشت فإنى معك وإن مت فتبقى للذكرى .. ويا مارا على قبرى لا تعجب من أمرى .. بالأمس كنت معك وغدا أنت معى .. أموت ويبقى كل ما كتبته ذكرى .. فيا ليت كل من قرأ خطى دعا لى