شكر النعم
إن
شكر الله على نعمته هو القيام بطاعته, أن تفعلوا ما أمركم الله به,
وتتركوا ما نهاكم عنه, سواء في كتابه أو في سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-
فإنه من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالًا
مبيناً.
إن
العاصي ليس بشاكر لربه ولو قال شكراً لله بلسانه, فأيُّ فائدة لشكر
الإنسان ربه بلسانه وهو مقيم على معصيته؟! أفلا يخشى مَن شكر ربه بلسانه
وهو مقيم على معصيته أن يقال له: كذبت إنك لم تشكر ربك حق شكره!.
وحقيقةُ
الشكر الاعترافُ بالإحسان والفضلِ والنّعَم وذِكرُها والتحدُّث بها
وصَرفها فيما يحبّ ربُّها ويرضَى واهبها. شُكرُ العبد لربِّه بظهورِ أثَر
نعمتِه عليه، فتظهَر في القلب إيمانًا واعترافًا وإِقرارًا، وتظهَر في
اللسان حمدًا وثناء وتمجيدًا وتحدّثًا، وتظهَر في الجوارح عبادةً وطاعة
واستعمالاً في مَراضي الله ومُباحاتِه.
إذا ما
امتَلأ القلبُ شُكرًا واعتِرافًا ورَصدًا للنّعَم ظهر ذلك نطقًا ولهجًا
بذكر المحامِد، وعليكم أن تتأمَّلوا كم جاءَ في السنة من أذكارِ الشكر
والحمد والثناءِ على الله ربِّ العالمين في أحوالِ العبدِ كلِّها؛ يَقظَةً
ومَناما، وأكلاً وشُربًا ولبسًا، ودخولاً وخروجًا وركوبًا، وحَضرًا
وسَفرًا، بل في أحوال العبد كلِّها أفعالاً وأقوالاً.
استعرِضوا
على سبيلِ المثالِ: أوّلَ ما يستيقِظُ العبدُ من منامِه يبادر بهذا الذّكر
الجميل الرقيق معلِنًا الاعترافَ بالفضل والنّعمة والشّكر للمنعِم
المتفضّل قائلاً: الحمد لله الذي عافاني في جسدِي وردَّ عليَّ روحي وأذِن
لي بذكرِه، ويقول: اللّهمّ ما أصبح بي من نِعمة أو بأحدٍ مِن خلقك فمنك
وحدَك لا شريكَ لك فلَك الحمد ولك الشكر، في أذكارٍ رقيقة إيمانية كثيرةٍ
من أذكار الصباح والمساء والأكلِ والشرب والدخول والخروج والسفرِ والإقامة،
يختِمها إذا أوى إلى فراشه بقوله: الحمدُ لله الذي أطعَمَنا وسَقانا
وكَفانا وآوانا، فكم ممن لا كافي له ولا ومؤوِي، سبحانك ربَّنا لا نحصي
ثناء عليك أنت كما أثنيتَ على نفسِك، نسألك أن تعينَنا على ذكرِك وشكرِك
وحسن عبادتك.
إن
معرفة النعمة من أعظم أركان الشكر، حيث إنه يستحيل وجود الشكر بدون معرفة
النعمة، وذلك لأن معرفة النعمة هي السبيل إلى معرفة النعم، فإذا عرف
الإنسان النعمة توصل بمعرفتها إلى معرفة المنعم بها، ومتى عرف المنعم بها
أحبه، ومحبته سبحانه تستلزم شكره.
وليست النعم مقصورة
على الطعام والشراب فحسب كما يظن كثير من الناس، بل هي كثيرة لا تحصى، فكل
حركة من الحركات، وكل نَفَس من الأنفاس لله تعالى فيه نعم لا يعلمها إلا
هو سبحانه.
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ( من لم يعرف نعمة الله عليه إلا في مطعمه ومشربه، فقد قلّ علمه وحضر عذابه ).
ولذلك ذُكر أن شكر العامة: يكون على المطعم والمشرب والملبس وقوة الأبدان. وشكر الخاصة: على التوحيد والإيمان وقوت القلوب.